فصل: 1752- باب ما جاء أَنّ المُسْتَشَارَ مُؤْتَمَن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1746- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ التّزَعْفُرِ وَالْخلوقِ لِلرّجَال

قال في النهاية‏:‏ الخلوق طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وقد ورد تارة بإباحته، وتارة بالنهي عنه والنهي أكثر وأثبت، وإنما نهى عنه لأنه من طيب النساء وكن أكثر استعمالاً له منهم، والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة انتهى

2891- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ قال ح وحدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا عَبْد الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، عن حَمّادِ بنِ زَيْدٍ عن عبدِ الْعَزِيزِ ابنِ صُهَيْبٍ عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال‏:‏ ‏"‏نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ التّزَعْفُرِ لِلرّجَالِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَرَوَى شُعْبَةُ هذا الحديثَ عن إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيّةَ عن عبدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عن أَنَسٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ التَزَعْفُرِ‏"‏‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا بِذَلِكَ عبيد الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أخبرنا آدَمُ عن شُعْبَةَ قال‏:‏

وَمَعْنَى كَرَاهِيَةِ التّزَعْفُرِ لِلرّجَالِ أَنْ يَتَطَيّبَ بِهِ‏.‏

2892- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ عن شُعْبَةَ عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ قال‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا حَفْصِ بنِ عُمَرَ يُحَدّثُ عن يَعْلَى بنِ مُرّةَ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَبْصَرَ رَجُلاً مُتَخَلّقَاً، وقال‏:‏ ‏"‏اذْهَبْ فَاغسِلْهُ ثُمّ لا تَعُدْ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وقد اخْتَلَفَ بَعْضُهُمْ في هذا الإِسْنَادِ عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ‏.‏ قال عَلِيّ قال يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ‏:‏ مَنْ سَمِعَ من عَطَاءِ بنِ السّائِبِ قَدِيماً فَسَماعُهُ صحيحٌ، وسماعُ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ مِنْ عَطَاءِ بنِ السّائِبِ صحيحٌ إِلاّ حَديثَيْنِ عن عطاءِ بنِ السائِبِ عن زَاذَانَ‏.‏ قال شُعْبَةُ‏:‏ سَمِعْتُهُمَا مِنْهُ بآخِرَةٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ يُقَالُ إِنّ عطاءَ بنَ السائبِ كَانَ في آخِرِ أَمْرِهِ قد ساء حِفْظُهُ‏.‏ وفي الباب عن عَمّارٍ وأبي مُوسَى وأَنَسٍ‏.‏ وأبو حفص هو أبو حفص بن عمر‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزعفر للرجال‏)‏ أي عن استعمال الزعفران في الثوب والبدن، والحديث دليل لأبي حنيفة والشافعي ومن تبعهما في تحريم استعمال الرجل الزعفران في ثوبه وبدنه، ولهما أحاديث أخرى صحيحة ومذهب المالكية أن الممنوع إنما هو استعماله في البدن دون الثوب، ودليلهم ما أخرجه أبو داود‏.‏ وعن أبي موسى مرفوعاً‏:‏ لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق، فإن مفهومه أن ما عدا الجسد لا يتناوله الوعيد‏.‏ وأجيب عن حديث أبي موسى هذا بأن في سنده أبا جعفر الرازي وهو متكلم فيه وأحاديث النهي عن التزعفر مطلقاً أصح وأرجح‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد ثبت في الصحيحين من حديث أنس أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه تزوج امرأة الحديث‏.‏ وفي رواية وعليه ردع زعفران، فهذا الحديث يدل على جواز التزعفر، فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على عبد الرحمن بن عوف، فكيف التوفيق بين حديث أنس هذا وبين حديثه المذكور في الباب وما في معناه‏.‏

قلت‏:‏ أشار البخاري إلى الجمع بأن حديث عبد الرحمن للمتزوج وأحاديث النهي لغيره حيث ترجم بقوله باب الصفرة للمتزوج‏.‏

وقال الحافظ‏:‏ إن أثر الصفرة التي كانت على عبد الرحمن تعلقت به من جهة زوجته، فكان ذلك غير مقصود له، قال ورجحه النووي، وأجيب عن حديث عبد الرحمن بوجوه أخرى ذكرها الحافظ في الفتح في باب الوليمة ولو بشاة من كتاب النكاح‏.‏

فإن قلت‏:‏ روى الشيخان عن ابن عمر‏:‏ أن رجلاً قال يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين فليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران أو ورس‏"‏‏.‏ فيستفاد من ظاهر هذا الحديث جواز لبس المزعفر لغير الرجل المحرم لأنه قال ذلك في جواب السؤال عما يلبس المحرم، فدل على جوازه لغيره‏.‏

قلت‏:‏ قال العراقي‏:‏ الجمع بين الحديثين أنه يحتمل أن يقال إن جواب سؤالهم انتهى عند قوله أسفل من الكعبين ثم استأنف بهذا لا تعلق له بالمسئول عنه فقال ولا تلبسوا شيئاً من الثياب إلى آخره انتهى‏.‏

قلت‏:‏ والأولى في الجواب أن يقال إن الجواز للحلال مستفاد من حديث ابن عمر بالمفهوم، والنهي ثابت من حديث أنس بالمنطوق، وقد تقرر أن المنطوق مقدم على المفهوم‏.‏

فإن قلت‏:‏ روى النسائي من طريق عبد الله بن زيد عن أبيه عن ابن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران، فقيل له، فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ‏.‏ قلت‏:‏ عبد الله بن زيد صدوق فيه لين وأصله في الصحيح، وليس فيه ذكر الصفرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي ‏(‏قال ومعنى كراهية التزعفر للرجال أن يتزعفر الرجل يعني أن يتطيب به‏)‏ كذا قال الترمذي‏.‏ والظاهر من قوله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزعفر للرجال، هو النهي عن استعمال الزعفران مطلقاً قليلاً كان أو كثيراً، وفي البدن كان أو في الثوب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبا حفص بن عمر‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب في باب الكنى‏:‏ أبو حفص بن عمرو، وقيل ابن عمر وقيل أبو عمر بن حفص، وقيل غير ذلك في ترجمة عبد الله بن حفص انتهى‏.‏ وقال في ترجمة عبد الله بن حفص روى عن يعلى بن مرة في النهي عن الخلوق، وعنه عطاء بن السائب قاله ابن عيينة وغيره عنه‏.‏ وقال حماد بن سلمة عنه عن حفص بن عبد الله ورواه شعبة عن عطاء ابن السائب عن أبي حفص بن عمرو، وقيل عنه غير ذلك‏.‏ وذكره ابن حبان في الثقات انتهى‏.‏ وقال في التقريب‏:‏ عبد الله بن حفص، وقيل حفص بن عبد الله مجهول لم يرو عنه غير عطاء بن السائب من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبصر رجلاً متخلقاً‏)‏ أي مطلياً بالخلوق بفتح الخاء المعجمة، تقدم معناه ‏(‏فاغسله ثم اغسله‏)‏ وفي رواية النسائي‏:‏ فاغسله ثم اغسله ثم اغسله، قال المظهر‏:‏ أمره بغسله ثلاث مرات للمبالغة، وقيل الأظهر أنه لا يذهب لونه إلا بغسله ثلاثاً ‏(‏ثم لا تعد‏)‏ بضم العين أي لا ترجع إلى استعماله فإن لا يليق بالرجال

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏‏.‏ وأخرجه النسائي ‏(‏وقد اختلف بعضهم في هذا الإسناد عن عطاء بن السائب‏)‏ قد تقدم بيانه في كلام الحافظ ‏(‏بآخرة‏)‏ بفتح الهمزة والخاء‏:‏ أي في آخر عمره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمار وأبي موسى وأنس‏)‏ أما حديث عمار فأخرجه أحمد وأبو داود‏.‏ وأما حديث أبي موسى فأخرجه أبو داود، وقد تقدم لفظه، وأما حديث أنس فلعله أشار إلى ما رواه أبو داود والنسائي من طريق سلم العلوي عنه‏:‏ دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة فكره ذلك وقلما كان يواجه أحداً بشيء يكرهه، فلما قام قال‏:‏ ‏"‏لو أمرتم هذا أن يترك هذه الصفرة‏"‏، وسلم هذا بفتح المهملة وسكون اللام فيه لين‏.‏

1747- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الْحَرِيرِ وَالدّيبَاج

أي في كراهية لبسهما، والحرير معروف وهو عربي، سمي بذلك لخلوصه، يقال لكل خالص محرر، وحررت الشيء خلصته من الاختلاط بغيره، وقيل هو فارسي معرب، والديباج نوع منه

2893- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا إِسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأزْرَقُ حدثني عبدُ المَلِكِ بنُ أبي سُلَيْمَانَ، حدثني مَوْلَى أَسْمَاءَ عن ابنِ عُمَرَ قال‏:‏ سَمِعْتُ عُمَرَ يَذْكُرُ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ في الدّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ في الاَخِرَةِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن عَلِيّ وَحُذَيْفَةَ وَأَنَسٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ وقَدْ ذَكَرنَاهُ في كِتَابِ اللّبَاسِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ من غير وَجْهٍ عن عَمْروٍ‏.‏ مَوْلَى أَسْمَاءَ بنت أبي بَكْرٍ الصّدّيقِ واسْمُهُ عبدُ الله ويُكْنَى أَبَا عُمَرَ‏.‏ وقد رَوَى عَنْهُ عَطَاءُ بنُ أبي ربَاحٍ وَعَمْرُو بنُ دِينَارٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الاَخرة‏"‏ معناه معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها، لم يشربها في الاَخرة‏"‏، وقد سبق شرح معناه في أول أبواب الأشربة قال القاضي الشوكاني‏:‏ الظاهر أنه كناية عن عدم دخول الجنة، وقد قال الله تعالى في أهل الجنة ‏{‏ولباسهم فيها حرير‏}‏ فمن لبسه في الدنيا لم يدخل الجنة، روى ذلك النسائي عن الزبير‏.‏ وأخرجه النسائي عن ابن عمر أنه قال‏:‏ والله لا يدخل الجنة وذكر الاَية‏.‏ وأخرج النسائي والحاكم عن أبي سعيد أنه قال‏:‏ وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه انتهى‏.‏ وقال السيوطي‏:‏ تأويل الأكثرين هو أن لا يدخل الجنة مع السابقين الفائزين، ويؤيده ما رواه أحمد عن جويرية‏:‏ من لبس الحرير في الدنيا ألبسه الله يوم القيامة ثوباً من نار انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وحذيفة وأنس وغير واحد، قد ذكرنا، في كتاب اللباس‏)‏ يعني في باب الحرير والذهب للرجال، وقد ذكرنا هناك تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان ‏(‏اسمه عبد الله‏)‏ قال في التقريب‏:‏ عبد الله بن كيسان التيمي أبو عمر المدني، مولى أسماء بنت أبي بكر، ثقة من الثالثة‏.‏

1748- باب

2894- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا اللّيْثُ عن ابنِ أبي مُلَيْكَة عن المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَسَمَ أَقْبِيَةً وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ شَيْئَاً، فقال مَخْرَمَةُ‏:‏ يَا بُنَيّ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، قال‏:‏ ادْخُلْ فَادْعُهُ لِي، فَدَعَوْتُهُ لَهُ، فَخَرَجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا، فقال‏:‏ ‏"‏خَبَأْتُ لَكَ هَذَا‏"‏، قال‏:‏ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فقال‏:‏ رَضِيَ مَخْرَمَةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وابنُ أَبي مُلَيْكَةّ اسمُه عَبْدُ الله بنُ عُبَيْدِ الله بنِ أبي مُلَيْكَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قسم أقبية‏)‏ قال الحافظ في رواية حاتم‏:‏ قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أقبية، وفي رواية حماد أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم أقبية من ديباج مزرورة بالذهب فقسمها في ناس من أصحابه ‏(‏ولم يعط مخرمة شيئاً‏)‏ أي في حال تلك القسمة، وإلا فقد وقع في رواية حماد بن زيد متصلاً بقوله من أصحابه وعزل منها واحداً لمخرمة ‏(‏انطلق بنا‏)‏ في رواية حاتم‏:‏ عسى أن يعطينا منها شيئاً ‏(‏أدخل فادعه لي‏)‏ في رواية حاتم فقام أبي على الباب فتكلم، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم صوته‏.‏ قال ابن التين‏:‏ لعل خروج النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع صوت مخرمة صادف دخول المسور إليه ‏(‏خبأت لك هذا‏)‏ إنما قال هذا للملاطفة، لأنه كان في خلقه شدة كما في رواية البخاري في الجهاد ‏(‏قال‏)‏ أي المسور ‏(‏فنظر‏)‏ أي مخرمة ‏(‏فقال‏)‏ أي مخرمة ‏(‏رضي مخرمة‏)‏ قال الداؤدي‏:‏ هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الاستفهام، أي هل رضيت‏.‏ وقال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يكون من قول مخرمة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ هو المتبادر للذهن انتهى‏.‏ ومن فوائد الحديث‏:‏ الاستئلاف للقلوب والمداراة مع الناس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري في الهبة وفي الشهادات وفي الخمس وفي الأدب، وأخرجه مسلم في الزكاة، وأبو داود في اللباس، والنسائي في الزينة‏.‏

1749- باب مَا جَاءَ إِنّ الله تعالى يُحِبّ أَنْ يرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِه

2895- حدثنا الْحَسَنُ بنُ مُحمّد الزّعْفَرَانِيّ، أخبرنا عَفّانُ بنُ مُسْلِمٍ، أخبرنا هَمّامٌ عن قَتَادَةَ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ عن جَدّهِ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الله يُحِبّ أَنْ يرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أبي الأحْوَصِ عن أَبِيهِ وَ عِمْران بنِ حُصَيْنٍ وَ ابنِ مسعودٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا همام‏)‏ هو ابن يحيى الأزدي العوذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله يحب أن يرى‏)‏ بصيغة المجهول أي يبصر ويظهر ‏(‏أثر نعمته‏)‏ أي إحسانه وكرمه تعالى، فمن شكرها إظهارها ومن كفرانها كتمانها‏.‏ قال المظهر‏:‏ يعني إذا أتى الله عبداً من عباده نعمة من نعم الدنيا فليظهرها من نفسه بأن يلبس لباساً يليق بحاله لإظهار نعمة الله عليه وليقصده المحتاجون لطلب الزكاة والصدقات وكذلك العلماء يظهروا علمهم ليستفيد الناس منهم انتهى‏.‏

فإن قلت‏:‏ أليس إنه حث على البذاذة

قلت‏:‏ إنما حث عليها لئلا يعدل عنها عند الحاجة ولا يتكلف للثياب المتكلفة كما هو مشاهد في عادة الناس حتى في العلماء والمتصوفة، فأما من اتخذ ذلك ديدنا وعادة مع القدرة على الجديد والنظافة فلا لأنه خسة ودناءة‏.‏ ويؤيد ما ذكرنا ما رواه البيهقي عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن الله تعالى يحب المؤمن المتبذل الذي لا يبالي ما لبس‏"‏، كذا في المرقاة‏.‏

قلت‏:‏ هذا الحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان، وإسناده ضعيف، قاله المناوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي الأحوص عن أبيه وعمران بن حصين وابن مسعود‏)‏ أما حديث أبي الأحوص عن أبيه فأخرجه أحمد والنسائي، وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أحمد، وأما حديث ابن مسعود فلينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه الحاكم عن ابن عمر‏.‏

1750- باب مَا جَاءَ في الْخُفّ الأَسْوَد

2896- حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا وَكِيعٌ عن دَلْهَمَ بنِ صَالحٍ عن حُجَيْرٍ بنِ عَبْدِ الله عن ابنِ بُرَيْدَةَ عن أَبِيهِ ‏"‏أَنّ النّجَاشِيّ أَهْدَى النبيّ صلى الله عليه وسلم خُفّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ، فَلَبِسَهُمَا ثُمّ تَوَضّأَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ إنما نَعْرِفُهُ من حديثِ دَلْهَمَ‏.‏ وقد رَوَاهُ مُحمّدُ بن رَبِيعَةَ عن دَلْهَمَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن دلهم‏)‏ بفتح الدال المهملة والهاء بينهما لام ساكنة ‏(‏بن صالح‏)‏ الكندي الكوفي، ضعيف من السادسة ‏(‏عن حجين‏)‏ بضم الحاء المهملة وفتح الجيم مصغراً ‏(‏بن عبد الله‏)‏ الكندي، مقبول من الثامنة ‏(‏عن ابن بريدة‏)‏ اسمه عبد الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ساذجين‏)‏ بفتح الذال المعجمة معرب، ساده على ما في القاموس‏:‏ أي غير منقوشين، إما بالخياطة أو بغيرها، أو لاشية فيهما تخالف لونهما، أو مجردين عن الشعر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه ابن ماجه ‏(‏إنما نعرفه من حديث دلهم‏)‏ وهو ضعيف كما عرفت، وقال ميرك‏:‏ وقد أخرج ابن حبان من طريق الهيثم بن عدي عن دلهم بهذا الإسناد أن النجاشي كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد زوجتك امرأة من قومك وهي على دينك أم حبيبة بنت أبي سفيان وأهديتك هدية جامعة قميص وسراويل وعطاف وخفين ساذجين، ‏"‏فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عليهما‏"‏، قال سليمان بن داود‏:‏ رواية عن الهيثم، قلت‏:‏ للهيثم ما العطاف‏؟‏ قال‏:‏ الطيلسان‏.‏

1751- باب ما جاءَ في النّهْيِ عَن نَتْفِ الشّيْب

2897- حدثنا هَارُونُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمَدَانِيّ، أخبرنا عَبْدَةُ عن مُحمّدِ بنِ إِسْحَاقَ، عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ عن جَدّهِ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ نَتْفِ الشّيْبِ وَقَالَ‏:‏ ‏"‏إِنّهُ نُورُ المُسْلِمِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ قد رُوي عن عَبْدِ الرّحْمَن بنِ الْحَارِثِ وَغيرِ وَاحِدٍ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أبيه عن جدّه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبدة‏)‏ هو ابن سليمان الكلابي ‏(‏عن محمد بن إسحاق‏)‏ هو إمام المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن نتف الشيب‏)‏ أي الشعر الأبيض من اللحية أو الرأس ‏(‏قال إنه نور المسلم‏)‏ الإضافة للاختصاص، أي وقاره المانع من الغرور بسبب انكسار النفس عن الشهوات، والفتور وهو المؤدي إلى نور الأعمال الصالحة فيصير نوراً في قبره، ويسعى بين يديه في ظلمات حشره‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ إنما نهى عن النتف دون الخضب، لأن فيه تغيير الخلقة عن أصلها، بخلاف الخضب فإنه لا يغير الخلقة على الناظر إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وأخرج مسلم في الصحيح من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال‏:‏ كنا نكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته ‏(‏وقد رواه عبد الرحمن بن الحارث‏)‏ ابن عياش بن أبي ربيعة‏.‏

1752- باب ما جاء أَنّ المُسْتَشَارَ مُؤْتَمَن

2898- حدثنا أبو كُرَيْبٍ، أخبرنا وَكِيعٌ عن دَاوُدَ بنِ أبي عَبْدِ الله عن ابنِ جُدْعَانَ، عن جَدّتِهِ، عن أُمّ سَلَمَةَ قالَتْ‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن ابنِ مَسْعُودٍ وأَبي هُرَيْرَةَ وابنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ من حديثِ أُمّ سَلَمَةَ‏.‏

2899- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا الْحَسَنُ بنُ مُوسَى، أخبرنا شَيْبَانُ عن عبدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عن أبي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

قَدْ روى غيرُ وَاحِدٍ عن شَيْبَانَ بنِ عبدِ الرّحمنِ النّحْوِيّ‏.‏ وَشَيْبَانُ هُوَ صَاحِبُ كِتَابٍ، وهو صحيحُ الحديثِ، ويُكْنَى أبا مُعَاوِيَة‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا عبدُ الْجَبّارِ بنُ الْعَلاَءِ الْعَطّارُ عن سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ قال‏:‏ قال عبدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ‏:‏ إِنّي لأُحَدّثُ الحديثَ فما أدعُ مِنْهُ حَرْفَاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن داود بن أبي عبد الله‏)‏ مولى بني هاشم مقبول من السابعة ‏(‏عن ابن جدعان‏)‏ ابن جدعان هذا ليس هو علي بن زيد بن جدعان، بل هو عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان، قال الحافظ في التقريب‏:‏ عبد الرحمن ابن محمد عن جدته عن أم سلمة وعنه داود بن أبي عبد الله مولى بني هاشم كذا وقع في رواية للبخاري، وبين في التاريخ أنه عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان، وعند الترمذي عن ابن جدعان، وثقه النسائي من الرابعة ‏(‏عن جدته‏)‏ لا تعرف، كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المستشار‏)‏ من استشاره طلب رأيه فيما فيه المصلحة ‏(‏مؤتمن‏)‏ اسم مفعول من الأمن أو الأمانة، ومعناه أن المستشار أمين فيما يسأل من الأمور، فلا ينبغي أن يخون المستشير بكتمان مصلحته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عمر‏)‏ أما حديث ابن مسعود فلم أقف عليه، وقد روى أحمد وابن ماجه عن ابن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ المستشار مؤتمن‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي بعد هذا، وأما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، وفي سنده جدة ابن جدعان وهي مجهولة كما عرفت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمَن النحوي ‏(‏عن عبد الملك بن عمير‏)‏ اللخمي الكوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث الخ‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما أخرم‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء، أي لا أنقص ‏(‏منه‏)‏ أي من الحديث ‏(‏حرفاً‏)‏ أي لفظاً بل أحدثه بغير زيادة ونقص‏.‏

1753- باب مَا جاء في الشُؤْم

2900- حدثنا ابْنُ أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ عن سَالِمٍ وَحَمْزَةَ ابْنَىْ عبدِ الله بنِ عُمَرَ عن أَبِيهِمَا‏:‏ أنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏الشّؤْمُ في ثَلاَثَةٍ‏:‏ في المَرْأَةِ وَالمَسْكَنِ وَالدّابّةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وبعضُ أصحابِ الزّهْرِيّ لا يَذْكُرُونَ فِيهِ عن حَمْزَةَ، وإِنّما يَقُولُونَ عن سَالِمٍ عن أَبِيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وروى مالك بن أنس هذا الحديث عن الزهري فال عن سالم وحمزة ابن عبد الله بن عمر عن أبيهما‏.‏ وَهَكَذَا رَوَى لَنَا ابنُ أبي عُمَرَ هذا الحديثَ، عن سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عن الزّهْرِيّ، عن سَالِمٍ وَحَمْزَةَ ابْنَيْ عبدِ الله بنِ عُمَرَ، عن أبِيهِمَا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ المَخْزُومِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ عن سَالِمٍ عن أَبِيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنَحْوِهِ ولم يَذْكُرْ فِيهِ سَعِيدَ بنَ عَبْدِ الرّحْمَن، عن حَمْزَةَ وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ أَصَحّ لأَنّ عَلِيّ بنَ المَدِينيّ وَالحُمَيْدِيّ، رَوَيَا عن سُفْيَانَ، عن الزهري عن سالم عن أبيه وذكر عن سفيان قال‏:‏ لَمْ يَرْوِ لَنَا الزّهْرِيّ هذا الحَدِيثَ إِلاّ عن سَالِمٍ، عن ابنِ عُمَرَ‏.‏ وَرَوَى مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، هذا الْحَدِيثَ، عن الزّهْرِيّ، وقالَ عن سَالِمٍ وَحَمْزَةَ ابْنيْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ عن أَبِيهِمَا‏.‏

وفي البابِ عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ وَ عَائِشَةَ وَ أَنَسٍ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ‏:‏ ‏"‏إِنْ كَانَ الشّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي المَرْأَةِ وَالدّابّةِ وَالمَسْكَنِ‏"‏‏.‏ وَقَدْ رَوَى عن حَكِيمُ بنُ مُعَاوِيَةَ، قالَ‏:‏ سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏لاَ شُؤْمَ، وَقَدْ يَكُونُ الْيُمْنُ في الدّارِ وَالمَرْأَةِ وَالفَرَسِ‏"‏‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا بِذَلِكَ عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إسْمَاعِيلَ بنُ عَيّاشٍ، عن سُلَيْمَانَ بنِ سُلَيْمٍ، عن يَحْيىَ بنِ جَابِرٍ الطّائيّ، عن مُعَاوِيَةَ بنِ حَكِيمٍ عن عَمّهِ حَكِيمِ بنِ مُعَاوِيَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر‏)‏ حمزة هذا هو شقيق سالم ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الشؤم‏)‏ بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واواً، قال في النهاية‏:‏ الواو في الشؤم همزة ولكنها خففت فصارت واواً وغلب عليها التخفيف حق لم ينطق بها مهموزة ولذلك أثبتناها ههنا، والشؤم ضد اليمن، يقال تشاءمت بالشيء وتيمنت به ‏(‏في ثلاثة‏)‏ أي في ثلاثة أشياء ‏(‏في المرأة والمسكن والدابة‏)‏ بدل بإعادة الجار‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ اختلف العلماء في هذا الحديث فقال مالك وطائفة‏:‏ هو على ظاهره، وأن الدار قد يجعل الله تعالى سكناها سبباً للضرر أو الهلاك، وكذا اتخاذ المرأة المعينة أو الفرس أو الخادم قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى، ومعناه قد يحصل الشؤم في هذه الثلاثة، كما صرح به في رواية‏:‏ ‏"‏إن يكن الشؤم في شيء‏"‏‏.‏ وقال الخطابي وكثيرون‏:‏ هو في معنى الاستثناء من الطيرة أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة‏.‏ وقال آخرون‏:‏ شؤم الدار‏:‏ ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم، وشؤم المرأة‏:‏ عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب، وشؤم الفرس‏:‏ أن لا يغزى عليها، وقيل حرانها وغلاء ثمنها، وشؤم الخادم‏:‏ سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه‏.‏ وقيل المراد بالشؤم ههنا عدم الموافقة‏.‏ واعترض بعض الملاحدة بحديث‏:‏ ‏"‏لا طيرة على هذا‏"‏، فأجاب ابن قتيبة وغيره‏:‏ بأن هذا مخصوص من حديث‏:‏ لا طيرة، أي لا طيرة إلا في هذه الثلاثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان ‏(‏ورواية سعيد أصح‏)‏ أي رواية سعيد عن سفيان بدون ذكر حمزة أصح من رواية ابن أبي عمر عن سفيان بذكر حمزة مع سالم ‏(‏لأن علي بن المديني والحميدي رويا عن سفيان ولم يرو لنا الزهري هذا الحديث إلا عن سالم عن ابن عمر‏)‏ يعني أن علي بن المديني والحميدي رويا عن سفيان أنه قال لم يرو لنا الزهري هذا الحديث إلا عن سالم عن ابن عمر‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ ونقل الترمذي عن ابن المديني والحميدي أن سفيان كان يقول‏:‏ لم يرو الزهري هذا الحديث إلا عن سالم انتهى، وكذا قال أحمد عن سفيان إنما تحفظه عن سالم‏.‏ قال الحافظ لكن هذا الحصر مردود، فقد حدث به مالك عن الزهري عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما، ومالك من كبار الحفاظ ولا سيما في حديث الزهري، وكذا رواه ابن أبي عمر عن سفيان نفسه، أخرجه مسلم والترمذي عنه وهو يقتضي رجوع سفيان عما سبق من الحصر، وأما الترمذي فجعل رواية ابن أبي عمر هذه مرجوحة، وقد تابع مالكاً أيضاً يونس من رواية ابن وهب عنه كما سيأتي في الطب، وصالح بن كيسان عند مسلم، وأبو أويس عند أحمد ويحيى بن سعيد وابن أبي عتيق وموسى بن عقبة ثلاثتهم عند النسائي كلهم عن الزهري عنهما، ورواه إسحاق بن راشد عن الزهري، فاقتصر على حمزة‏.‏ أخرجه النسائي، وكذا أخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة من طريق عقيل، وأبو عوانة من طريق شبيب بن سعيد كلاهما عن الزهري، ورواه القاسم بن مبرور عن يونس فاقتصر على حمزة‏.‏ أخرجه النسائي أيضاً، وكذا أخرجه أحمد من طريق رباح بن زيد عن معمر مقتصراً على حمزة، وأخرجه النسائي من طريق عبد الواحد عن معمر، فاقتصر على سالم‏.‏ فالظاهر أن الزهري يجمعها تارة ويفرد أحدهما أخرى‏.‏ وقد رواه إسحاق في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، فقال عن سالم أو حمزة أو كلاهما وله أصل عن حمزة من غير رواية الزهري، أخرجه مسلم من طريق عتبة بن مسلم عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سهل بن سعد وعائشة وأنس‏)‏ أما حديث سهل بن سعد فأخرجه الشيخان، وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الحلية، ولفظه‏:‏ ‏"‏الشؤم سوء الخلق‏"‏، وأما حديث أنس فأخرجه أبو داود عنه قال‏:‏ قال رجل يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إنا كنا في دار كثير فيها عددنا، وكثير فيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى، فقل فيها عددنا وقلت فيها أموالنا‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ذروها ذميمة‏"‏، والحديث سكت عنه هو والمنذري ‏(‏وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة والدابة والسكن‏"‏ رواه الشيخان عن ابن عمر، وكذا عن سهل بن سعد، ومعنى هذا الحديث إن فرض وجود الشؤم يكون في هذه الثلاثة والمقصود منه نفي صحة الشؤم ووجوده على وجه المبالغة فهو من قبيل قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين‏"‏، فلا ينافيه حينئذ عموم نفي الطيرة في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا عدوى ولا طيرة‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ فما وجه التوفيق بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم الشؤم في ثلاثة الخ‏.‏

قلت‏:‏ قد جمعوا بينهما بوجوه، منها أن قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ الشؤم في ثلاثة الخ كان في أول الأمر ثم نسخ ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب‏}‏ الاَية حكاه ابن عبد البر، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، لا سيما مع إمكان الجمع، ولا سيما وقد ورد في حديث ابن عمر عند البخاري نفي التطير، ثم إثباته في الأشياء الثلاثة ولفظه‏:‏ لا عدوى ولا طيرة‏.‏ والشؤم في ثلاث‏:‏ في المرأة والدار والدابة‏.‏ ومنها ما قال الخطابي هو استثناء من غير الجنس معناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير فكأنه قال‏:‏ إن كان لأحدكم دار يكره سكناها أو أمرأة يكره صحبتها أو فرس يكرة سيره فليفارقه، ومنها أنه ليس المراد بالشؤم في قوله‏:‏ الشؤم في ثلاثة، معناه الحقيقي بل المراد من شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، ومن شؤم المرأة أن لا تلد وأن تحمل لسانها عليك، ومن شؤم الفرس أن لا يغزى عليه، وقيل حرانها وغلاء ثمنها‏.‏ ويؤيد هذا الجمع ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث سعد مرفوعاً‏:‏ ‏"‏من سعادة ابن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء‏"‏‏.‏ وفي رواية ابن حبان‏:‏ المركب الهنيء والمسكن الواسع‏.‏ وفي رواية للحاكم‏:‏ ثلاثة من الشقاء المرأة تراها فتسوؤك وتحمل لسانها عليك‏.‏ والدابة تكون قطوفاً، فإن ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحق أصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا شؤم‏)‏ أي في شيء ‏(‏وقد تكون اليمن‏)‏ بضم التحتية وسكون الميم ‏(‏في الدار والمرأة والفرس‏)‏ أي قد تكون البركة في هذه الأشياء، واليمن ضد الشؤم‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ في إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان بن سليم‏)‏ بضم السين مصغراً الكناني الكلبي الشامي القاضي بحمص، ثقة عابد من السابعة ‏(‏عن معاوية بن حكيم‏)‏ بن معاوية النميري، مقبول من الثالثة كذا في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن أبيه وقيل عن عمه وعنه يحيى بن جابر الطائي قاضي حمص ‏(‏عن عمه حكيم بن معاوية‏)‏ النميري مختلف في صحبته له حديث وقيل إنما يروي عن أبيه أو عن عمه والصواب أنه تابعي من الثانية كذا في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ مختلف في صحبته، وروى عنه ابن أخيه معاوية قاله يحيى بن جابر عنه، وقيل عن يحيى بن جابر عن حكيم بن معاوية عن عمه معمر بن معاوية، والاختلاف فيه على إسماعيل ابن عياش عن سليمان بن سليم عن يحيى‏.‏ ورواه بقية عن سليمان عن يحيى عن ابن معاوية حكيم عن أبيه، انتهى‏.‏

1754- باب مَا جَاءَ لاَ يَتَنَاجَى أثنَانِ دُونَ ثالث

2901- حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن الأَعْمَشِ، حدثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن الأَعْمَشِ، عن شَقِيقٍ، عن عَبْدِ الله قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَناجَي اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا‏"‏‏.‏

وَقَالَ سُفْيَانُ في حَدِيثِهِ‏:‏ ‏"‏لاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثّالِثِ، فَإِنّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ، فَإِنّ ذَلِكَ يُؤْذِي المُؤْمِنَ وَالله عَزّ وجل يَكْرَهُ أَذَى المُؤْمِنِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن ابنِ عُمَر وَأَبي هُرَيْرَةَ وَابنِ عَبّاسٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن شقيق‏)‏ يعني ابن سلمة ‏(‏عن عبد الله‏)‏ أي ابن مسعود رضي الله عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا كنتم ثلاثة‏)‏ أي في المصاحبة سفراً أو حضراً ‏(‏فلا ينتجي‏)‏ من الانتجاء وهو التناجي ‏(‏اثنان‏)‏ أي لا يتكلما بالسر، يقال‏:‏ انتجى القوم وتناجوا‏:‏ أي سار بعضهم بعضاً ‏(‏دون صاحبهما‏)‏ أي الثالث ‏(‏فلا يتناجى اثنان‏)‏ أي لا يتكلما بالسر ‏(‏دون الثالث‏)‏ أي مجاوزين عنه غير مشاركين له‏.‏ لئلا يتوهم أن نجواهما لشر متعلق به ‏(‏فإن ذلك‏)‏ أي تناجي الاثنين دون الثالث ‏(‏يحزنه‏)‏ بفتح التحتية وضم الزاي، ويجوز ضم التحتية وكسر الزاي، قال في القاموس‏:‏ حزنه الأمر حزناً بالضم وأحزنه‏:‏ جعله حزيناً انتهى‏.‏ والضمير المنصوب في قوله يحزنه للثالث‏.‏

قال النووي‏:‏ في الحديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث، وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة واحد، وهو نهى تحريم، فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن‏.‏ ومذهب ابن عمر رضي الله عنه ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء‏:‏ أن النهي عام في كل الأزمان وفي الحضر والسفر‏.‏ وقال بعض العلماء‏:‏ إنما المنهي عنه المناجاة في السفر دون الحضر، لأن السفر مظنة الخوف، وادعى بعضهم أن هذا الحديث منسوخ وأنه كان هذا في أول الإسلام، فلما فشا الإسلام وأمن الناس سقط النهي، وكان المنافقون يفعلون ذلك بحضرة المؤمنين ليحزنوهم، أما إذا كانوا أربعة فتناجى اثنان دون اثنين، فلا بأس بالإجماع، انتهى‏.‏

قلت‏:‏ دعوى نسخ أحاديث الباب أو تخصيصها بالسفر لا دليل عليها، فالقول المعتمد المعول عليه، هو أن النهي عام في كل الأزمان وفي السفر والحضر‏.‏

وله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر وأبو هريرة وابن عباس‏)‏ أما حديث ابن عمر‏:‏ فأخرجه الشيخان وأبو داود، وأما حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس‏:‏ فلينظر من أخرجهما‏.‏

1755- باب مَا جَاءَ في الْعِدَة

2902- حدثنا وَاصِلُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْكُوفِيّ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عن إسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عن أَبي جُحَيْفَةَ، قالَ‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبْيَضَ قَدْ شَابَ، وَكَانَ الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ يُشْبِهُهُ، وَأَمَرَ لَنَا بِثَلاَثَةَ عَشَرَ قَلُوصاً فَذَهَبْنَا نَقْبِضُهَا فَأَتَانَا مَوْتُهُ فَلَمْ يَعْطُونَا شَيْئَاً، فَلَمّا قَامَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ‏:‏ مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ فَلْيَجِئ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَمَرَ لَنَا بِهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

وَقَدْ رَوَى مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ هَذَا الْحَدِيثَ بإِسْنَادٍ لَهُ عن أَبي جُحَيْفَةَ نَحْوَ هَذَا‏.‏ وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عن إسْمَاعِيلَ بنِ أَبي خَالِدٍ عن أَبي جُحَيْفَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الحسَنُ بنُ عَلِيّ يُشْبِهُهُ وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى هَذَا‏"‏‏.‏

2903- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ عن إسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، أخبرنا أَبُو جُحَيْفَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ يُشْبِهُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عن إسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ نَحْوَ هَذَا‏.‏

وفي البابِ عن جَابر‏.‏ وَأَبُو جُحَيْفَةَ اسمه وَهْبٌ السّوائِيّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي جحيفة‏)‏ بضم جيم فحاء مهملة مفتوحة فياء ساكنة بعدها فاء، صحابي معروف ‏(‏رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض‏)‏ أي مائلاً إلى الحمرة ‏(‏قد شاب‏)‏ أي ظهر فيه شيب ‏(‏وكان الحسن بن علي يشبهه‏)‏ أي في النصف الأعلى‏.‏ فقد أخرج الترمذي في المناقب عن علي قال‏:‏ الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك ‏(‏وأمر لنا‏)‏ أي له ولقومه من بني سواءة ابن عامر بن صعصعة، وكان أمر لهم بذلك على سبيل جائزة الوفد ‏(‏قلوصاً‏)‏ بفتح فضم، أي ناقة شابة ‏(‏فذهبنا نقبضها‏)‏ أي فشرعنا في الذهاب إلى المأمور لنقبض العطاء المذكور ‏(‏فأتانا موته‏)‏ أي خبر موته قبل أن نقبضها ‏(‏فلما قام أبو بكر‏)‏ أي خطيباً أو قام بأمر الخلافة ‏(‏فليجئ‏)‏ أي فليأت إلينا، فإن وفاءه علينا، ولعل الاكتفاء بها وعدم ذكر الدين هنا لأنه يلزم منها بالأولى ويمكن أن يكون اقتصاراً من الراوي لا سيما وكلامه في العدة ‏(‏فقمت إليه‏)‏ أي متوجهاً ‏(‏فأخبرته‏)‏ أي بما سبق ‏(‏فأمر لنا بها‏)‏ أي بالقلوص الموعودة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ قال في جامع الأصول‏:‏ اتفق البخاري ومسلم والترمذي على الفصل الأول من حديث أبي جحيفة، واتفق البخاري والترمذي على الفصل الثاني، وانفرد الترمذي بذكر أبي بكر وإعطائه إياهم، كذا قاله الشيخ الجزري في تصحيح المصابيح‏.‏ قال ميرك‏:‏ ولذا قال المؤلف يعني صاحب المشكاة في آخر مجموع الحديث‏:‏ رواه الترمذي كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يزيدوا‏)‏ أي غير واحد من أصحاب إسماعيل بن أبي خالد ‏(‏على هذا‏)‏ أي على هذا القدر ولم يذكروا قوله وأمرنا الخ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر‏)‏ أخرجه الشيخان ‏(‏وهب السوائي‏)‏ بضم السين المهملة والمد‏.‏

1756- باب ما جَاءَ في فِدَاكَ أَبي وأُمّي

2904- حدثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيّ، حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ، عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عن عَلِيّ قال‏:‏ ‏"‏ما سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ غَيْرَ سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ‏"‏‏.‏

2905- أخبرنا الْحَسَنُ بنُ الصّبّاحِ الْبزّارُ، أخبرنا سُفْيَانُ عن ابنِ جُدْعَانَ وَيَحْيَى بنِ سَعِيدٍ سَمِعَا سَعِيدَ بنَ المُسَيّبِ يقولُ قال عَلِيٌ‏:‏ ‏"‏مَا جَمَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبَاهُ وَأُمّهُ لأَحَدٍ إِلاّ لِسَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ، قالَ لهُ يَوْمَ أُحُدٍ‏:‏ ‏"‏ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي، وقالَ لهُ‏:‏ ارْمِ أَيّهَا الْغُلاَمُ الْحَزَوّرُ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن الزّبَيْرِ وجابرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقد رُوِيَ من غيرِ وَجْهٍ عن عَلِيّ‏.‏ وقد رَوَى غيرُ وَاحِدٍ هذا الحديثَ عن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عن سَعْدِ بنِ أَبي وَقَاصٍ قال‏:‏ ‏"‏جَمَعَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ‏"‏ قال‏:‏ ارمِ فداك أَبي وأُمي‏.‏

2906- حدثنا حدثنا بِذَلِكَ قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ و عبدُ العَزِيزِ بنُ مُحمّدٍ عن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عن سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ قال‏:‏ ‏"‏جَمَعَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ‏"‏‏.‏

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏جمع أبويه لأحد‏)‏ أي في الفداء ‏(‏غير سعد بن أبي وقاص‏)‏ يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لأحد فداك أبي وأمي إلا لسعد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن جدعان‏)‏ هو علي زيد بن جدعان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فداك أبي وأمي‏)‏ بكسر الفاء، أي أبي وأمي مفدى لك، وفي هذه التفدية تعظيم لقدره واعتداد بعمله واعتبار بأمره وذلك لأن الإنسان لا يفدى إلا من يعظمه فيبذل نفسه أو أعز أهله له ‏(‏إرم أيها الغلام الحزور‏)‏ بفتح الحاء المهملة والزاي والواو المشددة، قال في النهاية‏:‏ هو الذي قارب البلوغ والجمع الحزاورة‏.‏ قال السيد جمال الدين‏:‏ هذا أصل معناه ولكن المراد هنا للشاب لأن سعداً جاوز البلوغ يومئذ، انتهى‏.‏ قلت‏:‏ الأمر كما قال السيد جمال الدين لأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أسلم قديماً وهو ابن سبع عشرة سنة، وقد يجيء الحزور بمعنى الرجل القوي، قال في القاموس‏:‏ الحزور كعملس‏:‏ الغلام القوي والرجل القوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن الزبير وجابر‏)‏ أما حديث الزبير فأخرجه الشيخان عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم‏"‏، فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال‏:‏ ‏"‏فداك أبي وأمي‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ قول علي ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه وأمه لأحد إلا لسعد بن أبي وقاص بخالف حديث الزبير هذا، فما وجه التوفيق بينهما‏.‏

قلت‏:‏ قال الحافظ في الفتح بعد حديث علي هذا ما لفظه‏:‏ في هذا الحصر نظر لما تقدم في ترجمة الزبير أنه صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم الخندق، ويجمع بينهما بأن علياً رضي الله تعالى عنه لم يطلع على ذلك، أو مراده بذلك بقيد يوم أحد، انتهى‏.‏ وأما حديث جابر فلينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بذلك قتيبة بن سعيد، أخبرنا الليث بن سعد وعبد العزيز بن محمد الخ‏)‏ وأخرجه الشيخان ‏(‏وكلا الحديثين صحيح‏)‏ أي حديث يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن علي وحديثه عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص كلاهما صحيح‏.‏

1757- باب مَا جَاءَ في يَا بُنَي

2907- حدثنا مُحمّدُ بنُ عبدِ المَلِكِ بنِ أَبي الشّوَارِبِ، أخبرنا أبو عَوانَة أخبرنا أبو عُثْمَانَ شيْخٌ لهُ عن أَنَسٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لهُ‏:‏ ‏"‏يَا بُنَيّ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن المُغِيرَةِ وَ عُمَرَ بنِ أَبي سَلَمَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ‏.‏ وقد رُوِيَ من غيرِ هذا الْوَجْهِ عن أَنَسٍ‏.‏ وأبو عُثْمَانَ هَذا شَيْخٌ ثِقَةٌ، وَهُوَ الْجَعْدُ بنُ عُثْمَانَ، ويُقَالُ ابن دِينَارٍ، وَهُوَ بَصْرِيٌ، وقد رَوَى عنه يُونُسُ بنُ عُبَيْدٍ وَشُعْبَةُ، وغيرُ وَاحِدٍ مِنَ الأئِمّةِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو عثمان‏)‏ اسمه الجعد بن دينار اليشكري الصيرفي البصري صاحب الحلا بضم المهملة ثقة من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال له يابني‏)‏ بفتح الياء المشددة وكسرها، وقرئ بهما في السبع الأكثرون بالكسر وبعضهم بإسكانها، وفي هذا الحديث جواز قول الإنسان لغير ابنه ممن هو أصغر سناً منه يا ابني ويابني، مصغراً ويا ولدي، ومعناه تلطف وأنك عندي بمنزلة ولدي في الشفقة، وكذا يقال له ولمن في هو مثل سن المتكلم يا أخي للمعنى الذي ذكرناه، وإذا قصد التلطف كان مستحباً كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم قاله النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن المغيرة وعمر بن أبي سلمة‏)‏ أما حديث المغيرة وهو ابن شعبة فأخرجه مسلم، وأما حديث عمر بن أبي سلمة، فأخرجه الترمذي في باب التسمية على الطعام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

1758- باب ما جَاءَ في تَعْجِيلِ اسمِ المَوْلود

2908- حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، حدثني عَمّي يَعْقُوبُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ، أخبرنا شَرِيكٌ عن مُحمّدِ بنِ إِسْحَاقَ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ عن جَدّهِ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ المَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الأَذَى عَنْهُ وَالْعَقّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم الخ‏)‏ كنيته أبو الفضل البغدادي قاضي أصبهان، ثقة من الحادية عشرة ‏(‏أخبرنا شريك‏)‏ هو ابن عبد الله القاضي النخعي الكوفي ‏(‏عن محمد بن إسحاق‏)‏ هو صاحب المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمر بتسمية المولود يوم سابعه‏)‏ فيه دليل على تسمية المولود يوم السابع وقد ورد فيه غير هذا الحديث، وقد ثبت تسمية المولود يوم الولادة أيضاً، وقد تقدم الكلام في هذا في آخر أبواب الأضاحي ‏(‏ووضع الأذى عنه‏)‏ عطف على تسمية المولود، والمراد بوضع الأذى عنه إماطته وإزالته كما في حديث سلمان بن عامر عند البخاري‏:‏ مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ قوله أميطوا عنه الأذى أي أزيلوا، وزناً ومعنى قال‏:‏ وقع عند أبي داود من طريق سعيد بن أبي عروبة وابن عون عن محمد بن سيرين قال إن لم يكن الأذى حلق الرأس فلا أدري ما هو، وأخرج الطحاوي من طريق يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال‏:‏ لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى انتهى، وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس وأخرجه أبو داود بسنده صحيح عن الحسن كذلك، ووقع في حديث عائشة عند الحاكم وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى، ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس، فقد وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني‏.‏ ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه‏.‏ فعطفه عليه، فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس‏.‏ ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب ويماط عنه أقذاره، رواه أبو الشيخ انتهى‏.‏ ‏(‏والعق‏)‏ أي الذبح بشاة أو شاتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ في سنده شريك القاضي وقد تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وفي سنده أيضاً محمد بن إسحاق وهو يدلس، ورواه عن عمرو بن شعيب بالعنعنة، لكن للحديث شواهد ولذلك حسنه الترمذي‏.‏

1759- باب مَا جاء ما يُسْتَحَبّ مِن الأَسْمَاء

2909- حدثنا عبدُ الرّحمَنِ بنُ الأَسْوَدِ أبو عَمْرٍو الْوَرّاقُ الْبَصْرِيّ أخبرنا مَعْمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الرّقىّ، عن عَلِيّ بنِ صَالحٍ المكي، عن عبدِ الله بنِ عُثْمانَ، عن نَافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أَحَبّ الأَسْمَاءِ إِلَى الله عَبْدُ الله وعَبْدُ الرّحْمَنِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الرحمن بن الأسود‏)‏ ابن المامون الهاشمي مولاهم ثقة من الحادية عشرة ‏(‏أخبرنا معمر‏)‏ بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الميم المفتوحة ‏(‏بن سليمان الرقي‏)‏ النخعي أبو عبد الله الكوفي ثقة فاضل أخطأ الأزدي في تبينه وأخطأ من زعم أن البخاري أخرج له من التاسعة ‏(‏عن علي ابن صالح الزنجي‏)‏ المكي العابد، مقبول من الثالثة ‏(‏عن عبد الله بن عثمان‏)‏ ابن خثيم بالمعجمة والمثلثة مصغراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن‏)‏ فيه التسمية بهذين الاسمين وتفضيلهما على سائر ما يسمى به‏.‏ وقد بين الحافظ ابن القيم وجه التفضيل في كتابه زاد المعاد‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ يلتحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد، وإنما كانت أحب إلى الله لأنها تضمنت ما هو وصف واجب لله وما هو وصف للإنسان وواجب له وهو العبودية، ثم أضيف العبد إلى الرب إضافة حقيقة فصدقت أفراد هذه الأسماء وشرفت بهذا التركيب فحصلت لها هذه الفضيلة‏.‏ وقال غيره‏:‏ الحكمة في الاقتصار على الاسمين أنه لم يقع في القرآن إضافة عبد إلى اسم من أسماء الله تعالى غيرهما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنه لما قام عبد الله يدعوه‏}‏ وقال في آية أخرى‏:‏ ‏{‏وعباد الرحمن‏}‏ ويؤيده قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن‏}‏ وقد أخرج الطبراني من حديث أبي زهير الثقفي رفعه‏:‏ ‏"‏إذا سميتم فعبدوا‏"‏‏.‏ ومن حديث ابن مسعود رفعه‏:‏ ‏"‏أحب الأسماء إلى الله ما تعبدونه‏"‏‏.‏ وفي إسناد كل منهما ضعف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه‏.‏

1760- باب مَا جَاءَ مَا يُكْرَهُ مِنَ الأَسْمَاء

2910- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أبو أَحْمَدَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزّبَيْرِ، عن جابرٍ، عن عُمَرَ بن الخطاب قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لأَنْهَيَنّ أَنْ يُسَمّى رَافِعٌ وَبَرَكَةٌ وَيَسَارٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ هَكَذَا رَوَاهُ أبو أَحْمَدَ عن سُفْيَانَ عن أَبي الزّبَيْرِ عن جابرٍ عن عُمَرَ‏.‏ ورواه غيره عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأبو أحمدَ ثِقَةٌ حَافِظَ‏.‏ والمشهورُ عِنْدَ النّاسِ هذا الحديثُ عن جابرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ فِيهِ عن عُمَرُ‏.‏

2911- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أبو دَاوُدَ عن شُعْبَةَ، عن مَنْصُورٍ عن هِلاَلِ بنِ يَسَافٍ عن الرّبِيعِ بنِ عُمَيْلَةَ الْفَزَاريّ عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ، أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا تُسَمّ غُلاَمَكَ ربَاحَ ولا أَفْلَحَ ولا يَسَارَ ولا نَجِيحَ يُقَالُ‏:‏ أَثَمّ هُوَ‏؟‏ فَيُقَالُ لا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2912- حدثنا مُحمّدُ بنِ مَيْمُونٍ المَكّيّ، أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن أَبي الزّنَادِ عن الأَعْرَجِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ رَجُلٌ تَسَمّى بِمَلِكَ الأَمْلاَكِ‏.‏ قال سُفْيَانُ‏:‏ شَاهَانِ شَاه‏"‏ وَأَخْنَعُ يَعْنِي وَأَقْبَحُ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو أحمد‏)‏ اسمه محمد بن عبد الله الزبيري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأنهين أن يسمى‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏رافع وبركة ويسار‏)‏ وفي رواية ابن ماجه‏:‏ لئن عشت إن شاء الله لأنهين أن يسمى رباح ونجيح وأفلح ونافع ويسار، وعلة النهي عن التسمية بهذه الأسماء تأتي في حديث سمرة بن جندب الاَتي‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجه ‏(‏والمشهور عند الناس هذا الحديث عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه عمر‏)‏ أخرجه مسلم من طريق ابن جريج، قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول‏:‏ أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهي أن يسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع وبنحو ذلك، ثم رأيته سكت بعد عنها فلم يقل شيئاً، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن ذلك، ثم أراد عمر أن ينهي عن ذلك ثم تركه‏.‏

فإن قلت‏:‏ حديث جابر هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن ينهي عن التسمية بهذه الأسماء ولم ينه عنه‏.‏ وحديث سمرة الاَتي يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك فما وجه الجمع بينهما‏؟‏

قلت‏:‏ وجه الجمع أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن ينهي نهي تحريم ثم سكت بعد ذلك رحمة على الأمة لعموم البلوى وإيقاع الحرج لا سيما واكثر الناس ما يفرقون بين الأسماء من القبح والحسن فالنهي المنفي محمول على التحريم والمثبت على التنزيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تسم غلامك‏)‏ أي صبيك أو عبدك ‏(‏رباح‏)‏ كذا وقع في النسخ الحاضرة رباح ويسار ونجيح بغير الألف، ووقع في رواية مسلم وأبي داود رباحاً ويساراً ونجيحاً بالألف وهو الظاهر، ورباح بفتح الراء من الربح ضد الخسارة ‏(‏ولا أفلح‏)‏ من الفلاح وهو الفوز ‏(‏ولا يسار‏)‏ من اليسر ضد العسر ‏(‏ولا نجيح‏)‏ من النجح وهو الظفر ‏(‏أثم‏)‏ أي أهناك ‏(‏هو‏)‏ أي المسمى بأحد هذه الأسماء المذكورة ‏(‏فيقال لا‏)‏ أي ليس هناك رباح أو أفلح أو يسار أو نجيح فلا يحسن مثل هذا في التفاؤل، أو فيكره لشناعة الجواب، في شرح لسنة‏:‏ معنى هذا أن الناس يقصدون بهذه الأسماء التفاؤل بحسن ألفاظها أو معانيها، وربما ينقلب عليهم ما قصدوه إلى الضد، إذا سألوا فقالوا أثم يسار أو نجيح، فقيل لا تتطيروا بنفيه واضمروا اليأس من اليسر وغيره، فنهاهم عن السبب الذي يجلب سوء الظن والإياس من الخير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏اخنع اسم‏)‏ أفعل التفضيل من الخنوع وهو الذل، وقد فسره بذلك الحميدي شيخ البخاري عقب روايته له عن سفيان قال أخنع‏:‏ أذل‏.‏ وأخرج مسلم عن أحمد بن حنبل قال‏:‏ سألت أبا عمرو والشيباني يعني إسحاق اللغوي عن أخنع فقال أوضع‏.‏ قال عياض معناه أشد الأسماء صغاراً وبنحو ذلك فسره أبو عبيد، والخانع الذليل وخنع الرجل ذل‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من تسمى به أشد ذلاً‏.‏ وقد فسر الخليل أخنع بأفجر فقال الخنع الفجور، يقال أخنع الرجل إلى المرأة إذا دعاها للفجور كذا في الفتح، ويأتي في آخر الحديث تفسيره بأقبح وهو تفسير بالمعنى اللازم، وفي رواية للبخاري‏:‏ أخنى الأسماء وهو من الخنا بفتح المعجمة وتخفيف النون مقصور وهو الفحش في القول، ويحتمل أن يكون من قولهم أخنى عليه الدهر‏:‏ أي أهلكه‏.‏ وقد ورد بلفظ أخبث بمعجمة وموحدة ثم مثلثة وبلفظ أغيظ وهما عند مسلم ‏(‏تسمى‏)‏ بصيغة الماضي المعلوم من التسمي أي سمى نفسه أو سمي بذلك فرضى به واستمر عليه ‏(‏ملك الأملاك‏)‏ بكسر اللام من ملك والأملاك جمع ملك بالكسر وبالفتح وجمع مليك ‏(‏قال سفيان شاهان شاه‏)‏ وقد تعجب بعض الشراح من تفسير سفيان بن عيينة اللفظة العربية باللفظية العجمية، وأنكر ذلك آخرون وهو غفلة منهم عن مراده، وذلك أن لفظ شاهان شاه كان قد كثر التسمية به في ذلك العصر فنبه سفيان على أن الاسم الذي ورد الخبر بذمه لا ينحصر في ملك الأملاك بل كل ما أدى معناه بأي لسان كان فهو مراد بالذم‏.‏ وزعم بعضهم أن الصواب شاه شاهان وليس كذلك، لأن قاعدة العجم تقديم المضاف إليه على المضاف، فإذا أرادوا قاضي القضاة بلسانهم، قالوا موبذان موبذ، فموبذ هو القاضي، وموبذان جمعه، فكذا شاه هو الملك، وشاهان هو الملوك‏.‏

واستدل بهذا الحديث على تحريم التسمي بهذا الاسم لورود الوعد الشديد ويلتحق به ما في معناه مثل خالق الخلق، وأحكم الحاكمين، وسلطان السلاطين، وأمير الأمراء، وقيل يلتحق به أيضاً من تسمى بشيء من أسماء الله الخاصة به كالرحمن والقدوس والجبار، وهل يلتحق به من تسمى قاضي القضاة أو حاكم الحكام‏؟‏ اختلف العلماء في ذلك قاله الحافظ في الفتح، وذكر اختلاف العلماء فيه، فمن شاء الوقوف عليه فليراجعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود‏.‏

1761- باب مَا جاءَ في تَغْيِيرِ الأَسْمَاء

2913- حدثنا يَعْقُوبُ بنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ، و أبو بَكْرٍ محمد بن بشار وغيرُ وَاحِدٍ قالوا‏:‏ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ، عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم غَيّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ وقال‏:‏ ‏"‏أَنْتِ جَمِيلَةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن غريب، وإِنما أَسْنَدَهُ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الْقَطّانُ، عن عُبَيْدِ الله، عن نَافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ‏.‏ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هذا عن عُبَيْدِ الله عن نَافِعٍ أَنّ عُمَرَ مُرْسَلاً‏.‏ وفي البابِ عن عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ وعَبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ وعَبْدِ الله بنِ مُطِيعٍ وَعائِشَةَ والْحَكَمِ بنِ سَعِدٍ وَمُسْلِمٍ وأُسَامَةَ بنِ أَخْدَرِيّ، وشُرَيْحِ بنِ هَانِئ عن أَبِيهِ، وَخَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عن أَبِيهِ‏.‏

2914- حدثنا أَبُو بَكْرٍ بنِ نَافِعٍ الْبَصْرِيّ، حدثنا عُمَرُ بنُ عَلِيّ المُقَدّمِيّ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أَبِيهِ عن عائِشَةَ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُغَيّرُ الاسْمَ الْقَبِيحَ‏"‏‏.‏

قال أَبو بَكْرِ بنِ نَافِعٍ وَرُبَما قال عُمَرُ بنُ عَلِيّ في هذا الحديثِ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عن أَبِيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً ولم يَذْكُرْ فِيهِ عن عائِشَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وأبو بكر بندار‏)‏ اسمه محمد بن بشار وبندار لقبه ‏(‏عن عبيد الله بن عمر‏)‏ هو العمري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غير اسم عاصية وقال أنت جميلة‏)‏ قيل كانوا يسمون بالعاص والعاصية ذهاباً إلى معنى الإباء عن قبول النقائص والرضاء بالضيم، فلما جاء الإسلام نهوا عنه، ولعله لم يسمها مطيعة مع أنها ضد العاصية مخافة التزكية‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ إنما غيره لأن شعار المؤمن الطاعة والعصيان ضدها انتهى قال النووي‏:‏ معنى هذه الأحاديث تغيير الاسم القبيح أو المكروه إلى حسن، وقد ثبت أحاديث بتغييره صلى الله عليه وسلم أسماء جماعة كثيرين من الصحابة، وقد بين صلى الله عليه وسلم العلة في النوعين وما في معناهما وهي التزكية أو خوف التطير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه ‏(‏وإنما أسنده‏)‏ أي رواه متصلاً ‏(‏وروى بعضهم هذا عن عبيد الله عن نافع عن عمر مرسلاً‏)‏ أي منقطعاً، لأن نافعاً لم يسمع من عمر‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ قال أحمد بن حنبل‏:‏ نافع عن عمر منقطع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن سلام الخ‏)‏ أما حديث عبد الله بن سلام فأخرجه ابن ماجه، وأما حديث عائشة فأخرجه الترمذي بعد هذا، وأما حديث أسامة بن أخدري فأخرجه أبو داود، وأما حديث شريح بن هانئ عن أبيه فأخرجه أحمد وأما أحاديث باقي الصحابة فلينظر في أخرجها‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏كان يغير الاسم القبيح‏)‏ أي يبدله بالاسم الحسن، والحديث لم يحكم عليه الترمذي بشيء وفي سنده عمر بن علي المقدمي وهو مدلس ورواه عن هشام بالعنعنة‏.‏ قال ابن سعد‏:‏ كان ثقة وكان يدلس تدليساً شديداً يقول سمعت وحدثنا ثم يسكت فيقول هشام بن عروة والأعمش وقال‏:‏ كان رجلاً صالحاً‏.‏

1762- باب ما جاءَ في أَسْمَاءِ النبيّ صلى الله عليه وسلم

2915- حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْد الرّحْمَنِ المَخْزُومِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ، عن مُحمّدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، عن أَبِيهِ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ لِي أَسْمَاءَ‏:‏ أَنَا مُحمّدُ، وَأَنا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الّذِي يَمْحُو الله بِي الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الّذِي يُحْشَرُ النّاسُ عَلَى قَدَمَيّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الّذي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌ‏"‏‏.‏

وفي الباب عن حذيفة‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن جبير بن مطعم‏)‏ النوفلي، ثقة عارف بالنسب من الثالثة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشى النوفلي صحابي عارف بالأنساب، مات سنة ثمان أو تسع وخمسين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن لي أسماء‏)‏ وفي رواية البخاري من طريق مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه لي خمسة أسماء‏.‏

قال الحافظ‏:‏ الذي يظهر أنه أراد أن لي خمسة اختص بها لم يسم بها أحد قبلي أو معظمة أو مشهورة في الأمم الماضية لا أنه أراد الحصر فيها‏.‏ قال عياض‏:‏ حمى الله هذه الأسماء أن يسمى بها أحد قبله وإنما تسمى بعض العرب محمداً قرب ميلاده لما سمعوا من الكهان والأحبار أن نبياً سيبعث في ذلك الزمان يسمى محمداً فرجوا أن يكونوا هم فسموا أبناءهم بذلك، قال وهم ستة لاسابع لهم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ قد جمعت أسماء من تسمى بذلك في جزء مفرد فبلغوا نحو العشرين، لكن مع تكرار في بعضهم ووهم في بعض‏.‏ فيتلخص منهم خمسة عشر نفساً انتهى‏.‏ ‏(‏أنا محمد وأنا أحمد‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ رجل محمد ومحمود‏:‏ إذا كثرت خصاله المحمودة‏.‏ قال ابن فارس وغيره‏:‏ وبه سمي نبينا صلى الله عليه وسلم محمداً وأحمد، أي ألهم الله تعالى أهله أن سموه به لما علم من جميل صفاته، وقال الحافظ‏:‏ إن هذين الاسمين أشهر أسمائه وأشهرهما محمد، وقد تكرر في القرآن، وأما أحمد فذكر فيه حكاية عن قول عيسى عليه السلام، فأما محمد فمن باب التفعيل للمبالغة، وأما أحمد فمن باب التفضيل، وقيل سمي أحمد لأنه علم منقول من صفة وهي أفعل التفضيل، ومعناه أحمد الحامدين‏.‏ وسبب ذلك ما ثبت في الصحيح أنه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله، وقيل الأنبياء حمادون وهو أحمدهم أي أكثرهم حمداً أو أعظمهم في صفة الحمد‏.‏ وأما محمد فهو منقول من صفة الحمد أيضاً وهو بمعنى محمود وفيه معنى المبالغة والمحمد الذي حمد مرة بعد مرة كالمدح‏.‏ قال الأعشى‏:‏

إليك أبيت اللعن كان وجيفها إلى الماجد القرم الجواد المحمد

أي الذي حمد مرة بعد مرة أو الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة ‏(‏وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر‏)‏ قال العلماء‏:‏ المراد محو الكفر من مكة والمدينة وسائر بلاد العرب، وما زوى له صلى الله عليه وسلم من الأرض ووعد أن يبلغه ملك أمته‏.‏ قالوا ويحتمل أن المراد المحو العام بمعنى الظهور بالحجة والغلبة كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ليظهره على الدين كله‏}‏ وجاء في حديث آخر تفسير الماحي بأنه الذي محيت به سيئات من اتبعه، فقد يكون المراد بمحو الكفر هذا ويكون كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف‏}‏ والحديث الصحيح‏:‏ الإسلام يهدم ما كان قبله ‏(‏وأنا الحاشر‏)‏ أي ذو الحشر ‏(‏الذي يحشر‏)‏ أي يجمع ‏(‏على قدمي‏)‏ قال النووي‏:‏ ضبطوه بتخفيف الياء على الإفراد وتشديدها على التثنية، قال الطيبي‏:‏ والظاهر على قدميه اعتباراً للموصول إلا أنه اعتبر المعنى المدلول للفظة أنا‏.‏ وفي شرح السنة‏:‏ أي يحشر أول الناس لقوله‏:‏ ‏"‏أنا أول من تنشق عنه الأرض‏"‏‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ على قدمي أي على أثري، أي أنه يحشر قبل الناس‏.‏ وهو موافق لقوله في الرواية الأخرى‏:‏ ‏"‏يحشر الناس على عقبي‏"‏ انتهى‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ هو من الإسناد المجازي لأنه سبب في حشر الناس لأن الناس لم يحشروا ما لم يحشر ‏(‏وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي‏)‏ قال النووي‏:‏ أما العاقب ففسره في الحديث بأنه ليس بعده نبي أي جاء عقبهم‏.‏ قال ابن الأعرابي‏:‏ العاقب والعقوب الذي يخلف في الخير من كان قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيره‏.‏

1763- باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ اسمِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وكَنْيَتِه

اعلم أن علماء العربية قالوا‏:‏ العلم إما أن يكون مشعراً بمدح أو ذم وهو اللقب وإما أن لا يكون، فإما أن يصدر بأب أو أم أو ابن كأبي بكر وأم كلثوم وابن عباس وهو الكنية أو لا وهو الاسم، فاسم النبي صلى الله عليه وسلم محمد وكنيته أبو القاسم ولقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كنى بأكبر أولاده‏.‏

ثم اعلم أنه قد ورد في التسمي باسمه صلى الله عليه وسلم والتكني بكنيته أحاديث مختلفة، ولذلك اختلف أقوال أهل العلم فيه‏.‏ قال النووي‏:‏ اختلف العلماء في هذه المسألة على مذاهب كثيرة وجمعها القاضي وغيره‏.‏

أحدها‏:‏ مذهب الشافعي وأهل الظاهر، أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلاً، سواء كان اسمه محمداً أو أحمد أم لم يكن، لظاهر حديث أنس يعني الاَتي في هذا الباب‏.‏

الثاني‏:‏ أن هذا النهي منسوخ، فإن هذا الحكم كان في أول الأمر لهذا المعنى المذكور في الحديث ثم نسخ، قالوا فيباح التكني اليوم بأبي القاسم لكل أحد، سواء من اسمه محمد أو أحمد أو غيره، وهذا مذهب مالك‏.‏ قال القاضي‏:‏ وبه قال جمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء، قالوا وقد اشتهر أن جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول، وفيما بعد ذلك إلى اليوم مع كثرة فاعل ذلك وعدم الإنكار‏.‏

الثالث‏:‏ مذهب ابن جرير أنه ليس بمنسوخ، وإنما كان النهي للتنزيه والأدب لا للتحريم‏.‏

الرابع‏:‏ أن النهي عن التكني بأبي القاسم مختص بمن اسمه محمد أو أحمد ولا بأس بالكنية وحدها لمن لا يسمى بواحد من الاسمين، وهذا قول جماعة من السلف وجاء فيه حديث مرفوع عن جابر‏.‏

الخامس‏:‏ أنه ينهى عن التكني بأبي القاسم مطلقاً، وينهى عن التسمية بالقاسم لئلا يكنى أبوه بأبي القاسم، وقد غير مروان بن الحكم اسم ابنه عبد الملك حين بلغه هذا الحديث فسماه عبد الملك، وكان سماه أولاً القاسم، وقد فعله بعض الأنصار أيضاً‏.‏

السادس‏:‏ أن التسمية بمحمد ممنوعة مطلقاً، سواء كان له كنية أم لا، وجاء فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تسمون أولادكم ثم تلعنونهم‏"‏، وكتب عمر إلى الكوفة‏:‏ لا تسموا أحداً باسم نبي، وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم محمد حتى ذكر له جماعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم في ذلك وسماهم به، فتركهم‏.‏ قال القاضي‏:‏ والأشبه أن فعل عمر هذا إعظام لاسم النبي صلى الله عليه وسلم لئلا ينتهك الاسم كما سبق في الحديث‏:‏ تسمونهم محمداً ثم تلعونهم‏.‏ وقيل سبب نهي عمر أنه سمع رجلاً يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب فعل الله بك يا محمد، فدعاه عمر فقال‏:‏ أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسب بك والله لا تدعى محمداً ما بقيت، وسماه عبد الرحمن انتهى كلام النووي‏.‏ وقال القاري‏:‏ متعقباً على من ادعى النسخ ما لفظه‏:‏ دعوى النسخ ممنوعة بل ينبغي أن يقال ينتفي الحكم بانتفاء العلة، والعلة في ذلك الاشتباه وهو متعين في حال الحياة انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ودعوى انتفاء الحكم بانتفاء العلة مطلقاً أيضاً ممنوعة‏.‏ قال العيني نقلاً عن الخطابي‏:‏ قد يحدث شيء من أمر الدين بسبب من الأسباب فيزول ذلك السبب ولا يزول حكمه، كالعرايا والاغتسال للجمعة، انتهى

2916- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا الّليْثُ عن ابنِ عَجْلاَنَ، عن أَبِيهِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ بَيْنَ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ، ويُسَمّي مُحمّداً أَبَا الْقَاسِمِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن جَابِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2917- حدثنا الْحُسَيْنُ بنَ حُرَيْثٍ، حدثنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى، عن الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، عن أَبي الزّبَيْرِ، عن جَابِرٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذا تَسَمّيْتُمْ بِي فَلاَ تَكْنّوا بِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه‏.‏ وقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهلِ الْعِلْمِ أَنْ يَجْمَعَ الرّجُلُ بَيْنَ اسْمِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَكُنْيَتِهِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ‏.‏ ورُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ سَمِعَ رَجُلاً في السّوقِ يُنَادِي يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَمْ أَعْنِكَ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لاَ تَكَنّوا بِكُنْيَتِي‏"‏‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ، حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ عن حُمَيْدٍ، عن أَنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا‏.‏ وفي هذا الْحَدِيثِ مَا يَدُلّ عَلَى كَرَاهِيَةِ أَنْ يُكَنّى أَبَا الْقَاسِمِ‏.‏

2918- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيَىَ بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، حدثنا فِطْرُ بنُ خَلِيفَةَ حدثني مُنْذِرٌ، وَهُوَ الثّوْرِيّ، عن مُحمّدِ بنُ الْحَنَفِيّةِ، عن عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ أَنّهُ قالَ‏:‏ ‏"‏ياَ رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إنْ وُلِدَ لِي بَعْدَكَ أُسَمّيةِ مُحمّداً وَأُكَنّيهِ بِكُنْيَتِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ فَكَانَتْ رُخْصَةً لِي‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين اسمه وكنيته‏)‏ أن بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته ‏(‏ويسمى‏)‏ بصيغة المعلوم عطف علي يجمع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر‏)‏ أخرجه الترمذي بعد هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏إذا سميتم بي فلا تكنوا بي‏"‏ بحذف إحدى التاءين من التكني، ولفظ أبي داود من تسمى باسمي فلا يكنى يكنيتي، ومن اكتنى بكنتي فلا يتسمى باسمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد كره بعض أهل العلم أن يجمع الرجل بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته‏)‏ واستدل بحديث أبي هريرة وحديث جابر المذكورين ‏(‏وقد فعل ذلك بعضهم‏)‏ أي جمع بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته‏.‏ قال الطحاوي‏:‏ كان في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة كانوا متسمين بمحمد مكتنين بأبي القاسم، منهم محمد بن طلحة ومحمد بن الأشعث ومحمد بن أبي حذيفة‏.‏ قال العيني‏:‏ ومن جملة من تسمى بمحمد وتكنى بأبي القاسم من أبناء وجوه الصحابة محمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن حاطب ومحمد ابن المنتشر، ذكرهم البيهقي في سننه في باب من رخص الجمع بين التسمي بمحمد، والتكني بأبي القاسم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏)‏ أي ذلك الرجل ‏(‏لم أعنك‏)‏ من عني يعني، أي لم أقصدك يا رسول الله ‏(‏لا تكنوا بكنيتي‏)‏ ولفظ البخاري‏:‏ سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وحديث أنس هذا أخرجه الشيخان أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الحديث كراهية أن يكنى أبا القاسم‏)‏ قال في التوضيح‏:‏ مذهب الشافعي وأهل الظاهر أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلاً، سواء كان اسمه محمداً أو أحمداً أم لم يكن لظاهر الحديث، أي حديث أنس المذكور‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثني منذر‏)‏ بن يعلى الثوري بالمثلثة أبو يعلى الكوفي ثقة من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت‏)‏ أي أخبرني ‏(‏إن ولد لي‏)‏ أي ولد ‏(‏بعدك‏)‏ أي بعد وفاتك ‏(‏قال نعم‏)‏ فيه أن النهي مقصور على زمانه صلى الله عليه وسلم، فيجوز الجمع بينهما بعده لرفع الالتباس، وبه قال مالك قاله القارى‏.‏

قلت‏:‏ وبه قال جمهور العلماء كما عرفت في كلام النووي، ولكن في الاستدلال عليه بحديث علي هذا نظر، فإن قوله رضي الله تعالى عنه في هذا الحديث‏:‏ فكانت رخصة لي، يدل على أن الجواز كان خاصاً له، فالأحوط في هذا الباب هو ما قال به الشافعي وأهل الظاهر من أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلاً، سواء كان اسمه محمداً أو أحمد أم لم يكن، لظاهر حديث أنس المذكور في الباب‏.‏ وصوب هذا القول ابن القيم في زاد المعاد حيث قال‏:‏ والصواب أن التسمي باسمه جائز، والتكني بكنيته ممنوع منه، والمنع في حياته أشد والجمع بينهما ممنوع منه‏.‏ وحديث عائشة غريب لا يعارض بمثله الحديث الصحيح، وحديث علي رضي الله عنه في صحته نظر والترمذي فيه نوع تساهل في التصحيح، وقد قال علي إنها رخصة له، وهذا يدل على إبقاء المنع لمن سواه انتهى‏.‏

قلت‏:‏ أراد بحديث عائشة ما رواه أبو داود عنها قالت‏:‏ جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني قد ولدت غلاماً فسميته محمداً وكنيته أبا القاسم فذكر لي أنك تكره ذلك، فقال‏:‏ ‏"‏ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي، أو ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي‏"‏، وفي سنده محمد بن عمران الحجبي‏.‏ ذكر الطبراني في الأوسط أن محمد بن عمران الحجبي تفرد به عن صفية بنت شيبة ومحمد المذكور مجهول انتهى‏.‏ وأما قول ابن القيم بأن في صحة حديث علي نظر فلا وجه للنظر، لأن رجاله كلهم ثقات وسنده متصل‏.‏

1764- باب ما جَاءَ إِنّ مِنَ الشّعرِ حِكْمَة

2919- حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ، أخبرنا يَحْيَىَ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبي غَنِيّةَ، حدثني أَبي عن عَاصِمٍ، عن زِرٍ عن عَبْدِ الله قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ مِنَ الشّعْرِ حِكْمَةً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِنَمَا رَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ الاشَجّ عن ابنِ أَبي غَنِيّة، وَرَوَى غَيْرُهُ عن ابن أَبي غَنِيّةَ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفَاً، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هذا الوَجْهٍ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي البابِ عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ وَابنِ عَبّاسٍ وَعَائِشَةَ وَبُرَيْدَةَ وَكَثِيرِ بنِ عَبْدِ الله عن أَبِيهِ عن جَدّهِ‏.‏

2920- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ مِنَ الشّعْرِ حُكْماً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية‏)‏ بفتح المعجمة وكسر النون وتشديد للتحتانية الخزاعي الكوفي، أصله من أصبهان، صدوق له أفراد من كبار التاسعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو عبد الملك ثقة من السابعة ‏(‏عن عاصم‏)‏ هو ابن بهدلة ‏(‏عن زر‏)‏ هو ابن حبيش ‏(‏عن عبد الله‏)‏ أي ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن من الشعر حكمة‏)‏ أي قولاً صادقاً مطابقاً للحق، وقبل أصل الحكمة المنع، فالمعنى أن من الشعر كلاماً نافعاً يمنع من السفه‏.‏ وأخرج أبو داود من رواية صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إن من البيان سحراً، وإن من العلم جهلاً، وإن من الشعر حكماً، وإن من القول عيلاً‏"‏، فقال صعصعة بن صوحان‏:‏ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ أما قوله‏:‏ إن من البيان سحراً، فالرجل يكون عليه الحق وهو الحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق‏.‏ وإن قوله‏:‏ وإن من العلم جهلاً، فيكلف العالم إلى علمه ما لا يعلم فيجهل ذلك‏.‏ وأما قوله‏:‏ إن من الشعر حكماً، فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس‏.‏ وأما قوله‏:‏ إن من القول عيلاً فعرضك كلامك على من لا يريده، وقال ابن التين‏:‏ مفهومه أن بعض الشعر ليس كذلك لأن من تبعيضية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن أبي شيبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بن كعب وابن عباس وعائشة وبريدة وكثير بن عبد الله عن أبيه عن جده‏)‏ أما حديث أبي بن كعب فأخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه، وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي بعد هذا، وأما حديث عائشة فأخرجه الترمذي في الباب الذي يليه‏.‏ وأما حديث بريدة فأخرجه أبو داود وابن أبي شيبة، وأما حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، فلينظر من أخرجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إن من الشعر حكماً‏)‏ بضم فسكون، أي حكمة، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وآتيناه الحكم صبياً‏}‏ أي الحكمة كذا قال القارى‏.‏ وقال العزيزي في السراج المنير في شرح هذا الحديث‏:‏ بكسر ففتح جمع حكمة، أي حكمة وكلاماً نافعاً في المواعظ وذم الدنيا والتحذير من غرورها ونحو ذلك انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد‏.‏

1765- باب مَا جَاءَ في إِنْشَادِ الشّعْر

قال في القاموس‏:‏ أنشد الشعر قرأه وأنشد بهم هجاهم

2921- حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ مُوسَى الفَزَارِيّ وَعَلِيّ بنُ حُجْرٍ- المَعْنَى وَاحِدٌ- قَالاَ‏:‏ حدثنا ابنُ أَبي الزّنَادِ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أَبيهِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏"‏كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ لِحَسّانَ مِنْبَرَاً في المَسْجِدِ يَقُومُ عَلَيْهِ قَائِماً يُفَاخِرُ عن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَتْ‏:‏ يُنَافِحُ عن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَيَقُولُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الله يُؤَيّدُ حَسّانَ بِرُوحِ القُدُسِ، مَا يُفَاخِرُ أَوْ يُنَافِحُ عن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا سن إسْمَاعِيلُ بنُ مُوسَى وَ عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، قَالاَ‏:‏ أخبرنا ابنُ أَبي الزّنَادِ، عن أَبِيهِ، عن عُرْوَةَ، عن عَائِشَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَالْبَرَاءِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، وَهُوَ حَديثُ ابنِ أَبي الزّنَادِ‏.‏

2922- حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أخبرنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ أخبرنا ثَابِتٌ عن أَنَسٍ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَعَبْدُ الله بنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَمْشِي وَهُوَ يَقُولُ‏:‏

خَلّوا بَنِي الكُفّارِ عن سَبِيلِهِ

الْيَوْمَ نُضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ

ضَرْباً يَزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ

وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَفِي حَرَمِ الله تَقُولُ الشّعْرَ‏؟‏ فَقَالَ له النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خَلّ عَنْهُ يَا عُمَرُ، فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النّبْلِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضَاً عن مَعْمَرٍ عن الزّهْرِيّ عن أَنَسٍ نَحْوَ هَذَا‏.‏ وَرَوَى في غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكّةَ فِي عُمْرَةِ القَضَاءِ وَكَعْبُ بنُ مَالِكٍ بَيْنَ يَدَيْهِ‏"‏ وَهَذَا أَصَحّ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ لأَنّ عَبْدَ الله بنَ رَوَاحَةَ قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، وَإِنّمَا كَانَتْ عُمْرَةَ القَضَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏

2923- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا شَرِيكٌ، عن المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ عن أَبِيهِ عن عَائِشَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏قِيلَ لَهَا هَلْ كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَتَمَثّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشّعْرِ‏؟‏، قَالَتْ‏:‏ كَانَ يَتَمَثّلُ بِشَعْرِ ابنِ رَوَاحَةَ، ويتمثل وَيَقُولُ‏:‏

وَيأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مِنَ لَمْ تُزَوّدِ ***

وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2924- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا شَرِيكٌ عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏أَشْعَرُ كَلِمَةٍ تَكَلّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ كلمة لَبِيدٍ‏:‏

ألاَ كُلّ شَيْء مَا خَلاَ الله بَاطِلُ ***

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ الثّوْرِيّ وَغَيْرُهُ عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ‏.‏

2925- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا شَرِيكٌ عن سِمَاكٍ، عن جَابِرٍ بنِ سَمُرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏جَالَسْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ مَائَةِ مَرّةٍ، فَكَانَ أَصْحَابُهُ يَتَنَاشَدُونَ الشّعْرَ وَيَتَذَاكَرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ، وَهُوَ سَاكِتٌ فَرُبّمَا يَتَبَسّمُ مَعَهُمْ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رواه زُهَيْرٌ عن سِمَاكٍ أَيْضاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يضع لحسان منبراً في المسجد‏)‏ أي يأمر بوضعه، وحسان هو ابن ثابت أنصاري خزرجي شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من فحول الشعراء أجمعت العرب على أن أشعر أهل المدر حسان بن ثابت ‏(‏يقوم عليه قائماً‏)‏ أي قياماً‏.‏ ففي المفصل قد يرد المصدر على وزن اسم الفاعل نحو قمت قائماً ‏(‏يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي لأجله وعن قبله ‏(‏أو‏)‏ شك من الراوي ‏(‏ينافح‏)‏ بنون ثم فاء فحاء مهملة، أي يدافع عنه صلى الله عليه وسلم ويخاصم المشركين ويهجوهم مجازاة لهم ‏(‏يؤيد حسان بروح القدس‏)‏ بضم الدال ويسكن أي بجبريل سمى به لأنه كان يأتي الأنبياء بما فيه حياة القلوب فهو كالمبدأ لحياة القلب، كما أن الروح مبدأ حياة الجسد‏.‏ والقدس صفة للروح، وإنما أضيف إليه لأنه مجبول على الطهارة والنزاهة عن العيوب، وقيل القدس بمعنى المقدس وهو الله، فإضافة الروح إليه للتشريف، ثم تأييده إمداده له بالجواب وإلهامه لما هو الحق والصواب ‏(‏ما يفاخر أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي ما دام مشتغلاً بتأبيد دين الله، وتقوية رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة والبراء‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والسنائي، وأما حديث البراء فأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ قال صاحب المشكاة‏:‏ بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ أخرجه البخاري، وقال الحافظ في الفتح بعد ذكره وعزوه إلى الترمذي ما لفظه‏:‏ وذكر المزي في الأطراف أن البخاري أخرجه تعليقاً نحوه وأتم منه، لكني لم أره فيه انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق بن منصور‏)‏ هو الكوسج ‏(‏أخبرنا جعفر بن سليمان‏)‏ هو الضبعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خلوا بني الكفار‏)‏ أي يا بني الكفار ‏(‏عن سبيله‏)‏ أي عن سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏اليوم نضربكم‏)‏ بتسكين الموحدة لضرورة الشعر بل هي لغة قرئ بها في المشهور قاله الحافظ ‏(‏على تنزيله‏)‏ أي على حكم تنزيله ‏(‏ضرباً‏)‏ معفول مطلق لنضربكم ‏(‏يزيل‏)‏ من الإزالة والجملة صفة لضرباً ‏(‏الهام‏)‏ جمع هامة‏:‏ وهي أعلى الرأس وهي الناصية والمفرق ‏(‏عن مقيله‏)‏ أي موضعة نقلاً عن موضع القائلة للإنسان كذا في المجمع ‏(‏ويذهل الخليل عن خليله‏)‏ من الإذهال عطف على يزيل، أي ينسى ذلك الضرب الخليل عن خليله ‏(‏فلهي‏)‏ بلام التأكيد أي إشعاره ‏(‏أسرع فيهم‏)‏ أي في الكفار ‏(‏من نضح النبل‏)‏ أي أشعاره تؤثر فيهم تأثيراً أسرع من تأثير النبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه النسائي ‏(‏وقد روى عبد الرزاق هذا الحديث أيضاً عن معمر عن الزهري عن أنس نحو هذا‏)‏ ذكر هذه الرواية الحافظ في الفتح في باب عمرة القضاء، وقد بسط الكلام فيما يتعلق بحديث أنس هذا ‏(‏وروى في غير هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه، وهذا أصح عند بعض أهل الحديث لأن عبد الله بن رواحة قتل يوم مؤتة وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك‏)‏‏.‏ قال الحافظ بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه‏:‏ هو ذهول شديد وغلط مردود، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته، ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة، وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد وكيف يخفى عليه، أعني الترمذي مثل هذا، ثم وجدت عن بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس أن ذلك كان في فتح مكة، فإن كان كذلك اتجه اعتراضه لكن الموجود بخط الكروخى راوي الترمذي ما تقدم انتهى‏.‏

قلت‏:‏ قول الحافظ ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة أشار به إلى ما في حديث البراء في عمرة القضاء من قوله‏:‏ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادي يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة دونك ابنة عمك حملتها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر قال علي‏:‏ أنا أخذتها وهي بنت عمي، وقال جعفر ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد ابنة أخي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال‏:‏ الخالة بمنزلة الأم رواه البخاري وغيره‏.‏ وأما قوله وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد، فأشار إلى حديث أنس في غزوة مؤتة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال‏:‏ أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم‏.‏ رواه البخاري وغيره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يتمثل بشيء من الشعر‏)‏ أي ينشد به‏.‏ قال في القاموس‏:‏ تمثل أنشد بيتاً ثم آخر انتهى‏.‏ وقال في الصراح‏:‏ تمثل بهذا البيت وتمثل هذا البيت بمعنى ‏(‏بشعر ابن رواحة‏)‏ هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الخزرجي الأنصاري الشاعر أحد السابقين شهد بدراً واستشهد بمؤتة وكان ثالث الأمراء بها ‏(‏ويقول‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

ويأتيك بالأخبار من لم تزود ***

من التزويد‏:‏ وهو إعطاء الزاد، يقال أزاده وزوده أي أعطاه الزاد وهو طعام يتخذ للسفر وضمير المفعول محذوف، أي من لم تزوده، وهذا مصراع ثان من بيت ابن رواحة والمصرع الأول منه‏:‏

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ***

وقوله‏:‏ ستبدي من الإبداء، يقول ستظهر لك الأيام ما كنت غافلاً عنه وينقل إليك الأخبار من لم تعطه الزاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس‏)‏ أخرجه البزار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد في مسنده من طريق المغيرة عن الشعبي عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استراب الخبر تمثل فيه ببيت طرفة ويأتيك بالأخبار من لم تزود‏.‏ قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر هذا الحديث وهكذا رواه النسائي في اليوم والليلة من طريق إبراهيم بن مهاجر عن الشعبي عنها، ورواه الترمذي والنسائي أيضاً من حديث المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها كذلك، ثم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح انتهى‏.‏

تنبيه‏:‏

اعلم أن نسبة عائشة رضي الله عنها الشعر المذكور إلى ابن رواحة نسبة مجازية، فإنه ليس له بل هو لطرفة بن العبد البكري في معلقته المشهورة وقد نسبته عائشة إلى طرفة أيضاً كما في رواية أحمد المذكورة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أشعر كلمة تكلمت بها العرب‏)‏ أي أحسنها وأجودها، وفي رواية أصدق كلمة قالها الشاعر، والمراد بالشاعر في هذه الرواية جنس الشاعر، وفي رواية أصدق بيت قالته الشعراء‏.‏ وهذه الروايات كلها في الصحيح، والمراد بالكلمة ههنا القطعة من الكلام ‏(‏قوله لبيد‏)‏ هو ابن ربيعة الشاعر العامري، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة وفد قومه بنو جعفر بن كلاب، وكان شريفاً في الجاهلية والاسلام، نزل الكوفة ومات بها سنة إحدى وأربعين، وله من العمر مائة وأربعون سنة، وقيل مائة وسبع وخمسون سنة‏.‏ ذكره صاحب المشكاة‏.‏ ومن جملة فضائله أنه لما أسلم لم يقل شعراً وقال يكفيني القرآن ‏(‏ألا‏)‏ للتنبيه ‏(‏كل شيء ما خلا الله باطل‏)‏ أي فان مضمحل‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وإنما كان أصدق لأنه موافق لأصدق الكلام وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كل من عليها فان‏}‏ وتمام كلام لبيد‏:‏

وكل نعيم لا محالة زائل ***

نعيمك في الدنيا غرور وحسرة وعيشك في الدنيا محال وباطل

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يتناشدون الشعر‏)‏ أي ينشد بعضهم بعضاً ‏(‏ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية الخ‏)‏ وفي رواية مسلم وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم صلى الله عليه وسلم‏.‏ ومن جملة ما يتحدثون به أنه قال واحد ما نفع أحداً صنمه مثل ما نفعني، قالوا كيف هذا‏؟‏ قال صنعته من الحيس فجاء القحط فكنت آكله يوماً فيوماً‏.‏ وقال آخر‏:‏ رأيت ثعلبين جاءا وصعدا فوق رأس صنم لي وبالا عليه، فقلت‏:‏ أرب يبول الثعلبان برأسه فجئتك يا رسول الله وأسلمت، كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم، وليس في روايته يتناشدون الشعر‏.‏

1766- باب ما جَاءَ‏:‏ لأَنْ يَمْتَلِئ جَوْفُ أَحَدِكُم قَيْحاً خَيْرٌ لهُ مِنْ أَنْ يَمتَلِيءَ شِعْرَا

2926- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَحْيَىَ بنُ سَعِيدٍ، عن شُعْبَةَ عن قَتَادَةَ، عن يُونُسَ بنِ جُبَيْرٍ، عن مُحمّدِ بنِ سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ، عن أَبِيهِ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحاً خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِيءَ شِعْراً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2927- حدثنا عِيسَى بنُ عُثْمَانَ بنِ عِيسَى بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الرّمْلِيّ أخبرنا عَمّي يَحْيَىَ بنُ عِيسَى عن الأعمش عن أَبي صَالِحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لأَنْ يَمْتَلِيءَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحاً يَرِيْهُ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرَاً‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن سَعْدٍ وَأَبي سَعِيدٍ وَابنِ عُمرَ وَأَبي الدّرْدَاءِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لأن يمتلئ‏)‏ من الامتلاء ‏(‏جوف أحدكم قيحاً‏)‏ بفتح القاف وسكون التحتية بعدها مهملة، أي مدة لا يخالطها دم وهو منصوب على التمييز ‏(‏خير له من أن يمتلئ‏)‏ أي جوفه ‏(‏شعراً‏)‏ ظاهره العموم في كل شعر، لكنه مخصوص بما لم يكن مدحاً حقاً كمدح الله ورسوله وما اشتمل على الذكر والزهد وسائر المواعظ مما لا إفراط فيه‏.‏ ويؤيده حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال‏:‏ ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال‏:‏ ‏"‏هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء‏"‏‏؟‏ قلت نعم، قال ‏"‏هيه‏"‏، فأنشدته بيتاً فقال ‏"‏هيه‏"‏ ثم أنشدته بيتاً فقال ‏"‏هيه‏"‏، حتى أنشدته مائة بيت‏.‏ رواه مسلم‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ ذكر بعضهم أن معنى قوله‏:‏ خير له من أن يمتلئ شعراً يعيني الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال أبو عبيد والذي عندي في هذا الحديث غير هذا القول، لأن الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم لو كان شطر بيت لكان كفراً، فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه أنه قد رخص في القليل منه، ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه، فأما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوفه ممتلئاً من الشعر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وأخرج أبو عبيد التأويل المذكور من رواية مجالد عن الشعبي مرسلاً، فذكر الحديث وقال في آخره‏:‏ يعني من الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وقع لنا ذلك موصولاً من وجهين آخرين، فذكرهما الحافظ وضعفهما‏.‏

قلت‏:‏ والظاهر أن المراد من الامتلاء أن يكون الشعر مستولياً عليه بحيث يشغله عن القرآن والذكر والعلوم الشرعية وهو مذموم من أي شعر كان‏.‏ وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه على هذا الحديث من رواية ابن عمر وأبي هريرة باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وابن ماجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عيسى بن عثمان بن عيسى بن عبد الرحمن الرملي‏)‏ النهشلي الكوفي صدوق من الحادية عشرة ‏(‏أخبرنا عمي يحيى بن عيسى‏)‏ التميمي النهشلي الفاخوري بالفاء والخاء المعجمة الكوفي نزيل الرملة صدوق يخطي ورمي بالتشيع من التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يريه‏)‏ بفتح ياء وكسر راء وسكون ياء أخرى صفة قيح، أي يفسده من الورى وهو داء يفسد الجوف ومعناه قيحاً يأكل جوفه ويفسده، وقيل أي يصل إلى الرئة ويفسدها‏.‏ ورد بأن المشهور في الرئة الهمز ‏(‏أن يمتلئ‏)‏ أي جوفه، قال ابن أبي حمزة‏:‏ قوله جوف أحدكم، يحتمل أن يكون المراد جوفه كله وما فيه من القلب وغيره، ويحتمل أن يريد به القلب خاصة وهو الأظهر، لأن أهل الطب يزعمون أن القيح إذا وصل إلى القلب شيء منه، وإن كان يسيراً، فإن صاحبه يموت لا محالة بخلاف غير القلب مما في الجوف من الكبد والرئة قال الحافظ‏:‏ ويقوي الاحتمال الأول رواية عوف بن مالك‏:‏ لأن يمتلئ جوف أحدكم من عانته إلى لهاته، وتظهر مناسبته للثاني لأن مقابله وهو الشعر محله القلب، لأنه ينشأ عن الفكر‏.‏ وأشار ابن أبي جمرة إلى عدم الفرق في امتلاء الجوف من الشعر بين من ينشئه أو يتعانى حفظه من شعر غيره كما هو ظاهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سعد وابن عمر وأبي الدرداء‏)‏ أما حديث سعد فالظاهر أنه أراد حديثاً آخر له غير حديثه المذكور، ولينظر من أخرجه، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم، وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري والطحاوي، وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه الطبراني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وابن ماجه‏.‏

1767- باب ما جَاءَ في الفَصَاحَةِ وَالْبَيَان

2928- حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الأعْلَى الصّنْعَانِيّ، أخبرنا عُمَرُ بنُ عَلِيّ المُقَدّمِيّ، أخبرنا نَافِعُ بنُ عُمَرَ الْجُمحِيّ عن بِشْرِ بنِ عَاصِمٍ، سَمِعَهُ يُحَدّثُ عن أَبِيهِ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ الله يُبْغِضُ الْبَلِيغَ مِنَ الرّجالِ الّذِي يَتَخَلّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلّلُ الْبَقَرَةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وفي البابِ عن سَعْدٍف‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا نافع بن عمر‏)‏ بن عبد الله بن جميل الجمحى المكي، ثقة من كبار السابعة ‏(‏عن بشر بن عاصم‏)‏ بن سفيان عن عبد الله بن ربيعة بن الحارث الثقفي الطائفي ثقة من السادسة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو عاصم بن سفيان صدوق من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله يبغض‏)‏ بضم التحتية وسكون الباء وكسر الغين، وكذا هو مضبوط في النسخة الأحمدية بالقلم‏.‏ قال في القاموس‏:‏ أبغضوه مقتوه، وقال في الصراح‏:‏ ابغاض دشمن داشتين ‏(‏البليغ‏)‏ أي المبالغ في فصاحة الكلام وبلاغته ‏(‏من الرجال‏)‏ أي مما بينهم، وخصوا لأنه الغالب فيهم ‏(‏الذي يتخلل بلسانه‏)‏ أي يأكل بلسانه أو يدير لسانه حول أسنانه مبالغة في إظهار بلاغته وبيانه ‏(‏كما يتخلل البقرة‏)‏ أي بلسانها كما في رواية، قال في النهاية‏:‏ أي يتشدق في الكلام بلسانه ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفاً انتهى‏.‏ وخص البقرة لأن جميع البهائم تأخذ النبات بأسنانها وهي تجمع بلسانها‏.‏ وأما من بلاغته خلقية فغير مبغوض، كذا في السراج المنير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سعد‏)‏ أي ابن أبي وقاص أخرجه أحمد عنه مرفوعاً لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقرة بألسنتها‏.‏

1768- باب

2929- حدثنا إسْحَقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيّ‏.‏ أخبرنا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبّارِ بن عُمَرَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنَامَ الرّجُلُ عَلَى سَطْحٍ لَيْسَ بِمَحْجُور عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ إِلاَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَعَبْدُ الْجَبّارِ بْنِ عُمَرَ يُضَعّفُ‏.‏

2930- حدثنا مَحْمودُ بْنُ غَيْلاَنَ‏.‏ أخبرنا أَبُو أَحْمَدَ‏.‏ أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَخَوّلُنَا بِالمَوْعظَةِ في الأَيَامِ مَخَافَةَ السّآمَةِ عَلَيْنَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صحِيحٌ‏.‏

2931- حَدّثْنَا مُحمّدُ بْنُ بَشّارٍ‏.‏ أخبرنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ‏.‏ أخبرنا سفيان عن سُلَيْمَان الأَعْمَشِ‏.‏ حَدّثْنِي شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن كثير بن شنطير‏)‏ بكسر معجمة وسكون نون وكسر ظاء معجمة وسكون تحتية وبراء، المازني هو أبو قرة البصري صدوق يخطئ من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خمروا الاَنية‏)‏ بفتح معجمة وتشديد ميم أي غطوها، وفي رواية لمسلم‏:‏ وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئاً ‏(‏وأوكوا‏)‏ بفتح الهمزة وضم الكاف من الإيكاء ‏(‏الأسقية‏)‏ جمع السقاء بكسر السين، أي شدوا واربطوا رأس السقاء بالوكاء، وهو ما يشد به فم القربة، وزاد مسلم واذكروا اسم الله ‏(‏وأجيفوا الأبواب‏)‏ أي أغلقوها، زاد مسلم في رواية‏:‏ واذكروا اسم الله ‏(‏وأَطفئوا‏)‏ بهمزة قطع وكسر فاء فهمزة مضمومة ‏(‏المصابيح‏)‏ جمع المصباح أي السراج ‏(‏فإن الفويسقة‏)‏ تصغير الفاسقة والمراد الفأرة لخروجها من جحرها على الناس وإفسادها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

1769- باب

2932- حدثنا أَبُو هِشَامٍ الرّفَاعِيّ‏.‏ أخبرنا ابْنُ فُضَيلٍ عنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبي صَالِحٍ قَالَ‏:‏ سُئِلتْ عَائِشَةُ وَأُمّ سَلَمَةَ أَيّ الْعَمَلِ كانَ أَحَبّ إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قَالَتَا‏:‏ ‏"‏مَا دِيمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏"‏كانَ أَحَبّ الْعَمَلِ إِلَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَا دِيمَ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏ حَدّثَنَا بذلك هَرُونَ بْنُ إِسْحَقَ الْهَمْدَانِيّ‏.‏ أخبرنا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد العزيز بن محمد‏)‏ هو الدراوردي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا سافرتم في الخصب‏)‏ بكسر المعجمة، أي زمان كثرة العلف والنبات ‏(‏فأعطوا الإبل حظها من الأرض‏)‏ أي من نباتها، يعني دعوها ساعة فساعة ترعى إذ حقها من الأرض رعيها فيه ‏(‏وإذا سافرتم في السنة‏)‏ أي القحط أو زمان الجدب ‏(‏فبادروا بها نقيها‏)‏ بكسر النون وسكون القاف بعدها تحتية‏:‏

أي أسرعوا عليها السير ما دامت قوية باقية النقي وهو المخ‏.‏ قال القاري‏:‏ والظاهر أنه منصوب على أنه مفعول بادروا وعليه الأصول من النسخ المضبوطة، يعني من المشكاة‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ يحتمل الحركات الثلاث أن يكون منصوباً مفعولاً به وبها حال منه، أي بادروا نقيها إلى المقصد ملتبساً بها أو من الفاعل أي ملتبسين بها، ويجوز أن تكون الباء سببية أي بادروا بسبب سيرها نقيها وأن تكون للاستعانة أي بادروا نقيها مستعينين بسيرها، ويجوز أن يكون مرفوعاً فاعلاً للظرف وهو حال، أي بادروا إلى المقصد ملتبساً بها نقيها أو مبتدأ والجار والمجرور خبره، والجملة حال كقولهم فوه إلى في وأن يكون مجروراً بدلاً من الضمير المجرور، والمعنى سارعوا بنقيها إلى المقصد باقية النقي فالجار والمجرور حال ‏(‏وإذا عرستم‏)‏ بتشديد الراء أي نزلتم في آخر الليل‏.‏ قال في القاموس‏:‏ أعرس القوم نزلوا في آخر الليل للاستراحة كعرسوا ‏(‏فإنها طرق الدواب‏)‏ أي دواب المسافرين أو دواب الأرض من السباع وغيرها ‏(‏ومأوى الهوام بالليل‏)‏ وهي بتشديد الميم جمع هامة كل ذات سم‏.‏ قال النووي‏:‏ هذا أدب من آداب السير والنزول، أرشد إليه صلى الله عليه وسلم لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع تمشي في الليل على الطرق لسهولتها، ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه، وما يجد فيها من رمة ونحوها، فإذا عرس الإنسان في الطريق ربما مر به منها ما يؤذيه، فينبغي أن يتباعد عن الطريق انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس وجابر‏)‏ أما حديث أنس فأخرجه أبو داود وأما حديث جابر فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

1770- باب

2933- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ، عن كَثِيرِ بنِ شِنْظِيرٍ عن عَطَاءِ بنِ أَبي رَبَاحٍ، عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله قَالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خَمّروا الاَنِيَةَ، وأوكِئُوا الأسْقِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوابَ وَأَطْفِئُوا المَصَابِيحَ، فَإِنّ الْفُوَيْسَقَةَ رُبّمَا جَرّتِ الْفِتِيْلَةَ، فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن جَابِرِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن ينام الرجل‏)‏ أي ليلاً أو مطلقاً ‏(‏ليس بمحجوز عليه‏)‏ أي ليس حوله جدار مانع من الوقوع عن السطح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعبد الجبار بن عمر الأيلي‏)‏ بفتح الهمزة وسكون التحتانية الأموي مولاهم ‏(‏يضعف‏)‏ بصبغة المجهول من التضعيف، وقد ضعفه كثير من المحدثين كما في تهذيب التهذيب، فالحديث ضعيف، لكن له شواهد ذكرها المنذري في الترغيب‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يتخولنا‏)‏ بالخاء المعجمة أي يتعاهدنا ‏(‏بالموعظة‏)‏ أي النصح والتذكير ‏(‏الأيام‏)‏ صفة للموعظة أي بالموعظة الكائنة في الأيام ‏(‏مخافة السآمة‏)‏ كلام إضافي منصوب على أنه مفعول له أي لأجل مخافة السآمة، والسآمة مثل الملالة لفظاً ومعنى وصلة السآمة محذوفة، لأنه يقال سأمت من الشيء‏.‏ والتقدير مخافه السآمة من الموعظة ‏(‏علينا‏)‏ إما يتعلق بالسآمة على تضمين السآمة معنى المشقة، أي مخافة المشقة علينا، إذ المقصود بيان رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالأمة وشفقته عليهم ليأخذوا منه بنشاط وحرص لا عن ضجر وملل، وإما يجعل صفة، والتقدير مخافة السآمة الطارئة علينا، وإما يجعل حالاً والتقدير مخافة السآمة حال كونها طارئة علينا، وإما ما يتعلق بالمحذوف والتقدير مخافة السآمة شفقة علينا فافهم‏.‏ وفي الحديث الاقتصاد في الموعظة لئلا تملها القلوب فيفوت مقصودها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1771- باب

2934- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ مُحمّدٍ عن سُهَيْلِ بنِ أَبي صَالِحٍ، عن أَبِيهِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ، فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظّهَا مِنَ الأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السّنَةِ فَبَادِرُوا بِنقِيهَا، وَإِذَا عَرّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطّريقَ، فَإِنّهَا طرقُ الدّوَابّ وَمَأْوَى الْهَوَامّ بِالّليْلِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وفي البابِ عن أَنَسٍ وَجَابِرٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ما ديم عليه‏)‏ بصيغة الماضي المجهول من دام يدوم، أي العمل الذي دووم عليه ‏(‏وإن قل‏)‏ أي ولو قل العمل، وفي الحديث‏:‏ أن العمل القليل مع المداومة والمواظبة خير من العمل الكثير مع ترك المراعاة والمحافظة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه النسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبدة‏)‏ هو ابن سليمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏